ثم قال له هابيل :﴿إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار﴾ أي : إني أريد بالاستسلام وعدم الدفع أن تنقلب إلى الله ملتبسًا بإثمي، أي : حاملاً لإثمي لو بسطت إليك يدي، وإثمك ببسطك بيدك إليّ، ونحوه قوله ﷺ :" المُستَبَّان ما قَالاَ فَعَلى البادِىء منهما مَا لَم يَعتَدِ المَظلُومُ " أو بإثم قتلى وبإثمك الذي لم يتقبل من أجله قربانك، أو بسائر ذنوبي فتحملها عني بسبب قتلك لي ؛ فإن الظالم يجعل عليه يوم القيامة ذنوب المظلوم ثم يطرح في النار، ولذلك قال :﴿وذلك جزاء الظالمين﴾، يحتمل أن يكون من كلام هابيل، أو استئناف من كلام الله تعالى، أي : جزاؤهم يوم القيامة أن يحملوا أوزار المظلومين، ثم يطرحون في النار، كما في حديث المفلس.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٦٥
ولم يرد هابيل بقوله :﴿إني أريد﴾، أنه يُحب معصية أخيه وشقاوته، بل قصد بذلك الكلام أنه إن كان القتل لا محالة واقعًا فأريد أن يكون لك لا لي، والمقصود بالذات : ألا يكون له، لا أن يكون لأخيه. ويجوز أن يكون المراد بالإثم عقوبته. وإرادة عقاب العاصي جائزة. قاله البيضاوي.
﴿فطوّعت له نفسه قتل أخيه﴾ أي : سهلت له ووسِعته ولم تضق منه، أو طاوعته عليه وزينته له، ﴿فَقتله فأصبح من الخاسرين﴾ دينًا ودنيا، فبقي مدة عمره مطرودًا محزونًا. قال السدي : لما قصد قابيلُ قتل هابيل، راغ هابيل في رؤوس الجبال، ثم أتاه يومًا من الأيام، فوجده نائمًا فشدخ رأسه بصخرة فمات، وقال ابن جريج : لم يدر قابيل كيف يقتل هابيل ؟ فتمثل له إبليس، وأخذ طيرًا فوضع رأسه على حجر، ثم شدخه بحجر آخر، وقابيل ينظر، فعلمه القتل، فوضع رأس أخيه على حجر ثم شدخه بحجر آخر. وكان لهابيل يوم قتل عشرون سنة، وقبره قيل : عند عقبة حراء، وقال ابن عباس : عند ثور وقال جعفر الصادق : بالبصرة، في موضع المسجد الأعظم.
١٦٧