الإشارة : قد تضمنت هذه الآية من طريق الإشارة ثلاث خصال، يجب التحقق بها على كل مؤمن متوجه إلى الله تعالى : أولها : التطهير من رذيلة الحسد، لاذي هو أول معصية ظهرت في السماء والأرض، وقد تقدم الكلام عليه في النساء، الثانية : التطهير من الشرك الجلي والخفي، والتغلغل في التبري من الذنوب التي توجب عدم قبول الإعمال، ويتحصل ذلك بتحقيق الإخلاص، والثالثة : عدم الانتصار للنفس والدفع عنها إلا فيما وجب شرعًا، فقد قالوا :( الصوفي دمه هدر، وماله مباح) ؛ فلا ينتصر لنفسه ولو بالدعاء، فإما أن يسكت، أو يدعوا لظالمه بالرحمة والهداية، حتى يأخذ الله بيده اقتداء برسوله ﷺ، حيث قال " اللهم اعفِر لِقَومي فَإنَّهُم لا يَعلَمُونَ ".
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٦٥
قلت :﴿ليريه﴾ أي : يعلمه، وضمير الفاعل يعود على " الله " أو الغراب، و ﴿كيف﴾ : حال من الضمير في ﴿يُواري﴾ والجملة مفعول ثان ليرى، أي : ليعلمه الله، أو الغراب، كيفية مواراة أخيه، و ﴿يا ويلتا﴾ : كلمة جزع وتحسر، والألف فيها بدل من ياء المتكلم، كيا حسرتا ويا أسفا، و " أصبح " هنا بمعنى صار.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿فبعث الله غرابًا يبحث في الأرض﴾ أي : يحفر فيها، ﴿ليريه﴾ أي : الله، أو الغراب، ﴿كيف يُواري﴾ أي : يستر ﴿سوءة أخيه﴾ أي : جسده ؛ لأنه مما يستقبح أن يرى، وخصت بالذكر لأنها أحق بالستر من سائر الجسد، فعلَّم اللهُ قابيل كيف يصنع بأخيه ؛ لأنه لم يدر ما يصنع به، إذ هو أول ميت مات من بني آدم، فتحير في أمره، فبعث الله غرابين فاقتتلا، فقتل أحدُهما الآخر، فحفر له بمنقاره ورجليه، ثم ألقاه في الحفرة وغطاه بالتراب.