قال قابيل لما رأى ذلك :﴿يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي﴾ فأهتَدِي إلى ما اهتدى إليه، فحفر لأخيه ودفنه ﴿فأصبح من النادمين﴾ على قتله، لِما كابد فيه من التحير في أمره، وحَملِه على رقبته سنة أو أكثر، وتلمذة الغراب له،
١٦٨
واسوداد لونه، وتبرّي أبويه منه، إذ رُوِي أنه لما قتله أسود وجهه، فسأله آدم عن أخيه، فقال : ما كنتُ عليه وكيلاً. فقال : بل قتلته ؛ فلذلك اسود جسدك، وتبرأ منه، ومكث بعد ذلك مائة سنة لم يضحك، وعدم الظفر بما فعله من أجله. قاله البيضاوي، فانظره مع ما سيأتي عن الثعلبي.
واختلف في كفره ؛ فقال ابن عطية : الظاهر أنه لم يكن قابيل كافرًا، وإنما كان مؤمنًا عاصيًا، ولو كافرًا ما تخرج أخوه من قتله، إذ لا يتحرج من قتل كافر ؛ لأن المؤمن يأبى أن يقتل موحدًا، ويرضى بأن يُظلَمَ ليجازي في الآخرة. ونحو هذا فعل عثمان رضي الله عنه لما قصد أهل مصر قتله مع عبد الرحمن بن أبي بكر، لشُبهةٍ، وكانوا أربعة آلاف، فأراد أهل المدينة أن يدفعوا عنه، فأبى واستسلم لأمر الله. قال عياض : منعه من الدفع إعلام رسول الله ﷺ بأن ذلك سَبَقَ به القدر. حيث بشره بالجنة على بلوى تصيبه، كما في البخاري، ونقل عن بعض أهل التاريخ : أن شيتًا سار إلى أخيه قابيل، فقاتله بوصية أبيه له بذلك، متقلدًا بسيف أبيه. وهو أول من تقلد بالسيف، فأخذه أخاه أسيرًا وسلسله، ولم يزل كذلك حتى قبض كافرًا. هـ.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٦٨