جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٦٩
وقوله في النفس الأمارة :( من السوء خلقت)، فيه نظر ؛ فإن النفس هي الروح عند المحققين، فما دامت الطينية غالبة عليها، وهي مائلة إلى الحظوظ والهوى، سميت نفسًا، فإن كانت منهمكة سميت أمارة، وإن خف عثارها، وغلب عليها الخوف، سميت لوامة، فإذا انكشف عنها الحجاب، وعرَفت ربها، واستراحت من تعب المجاهدة، سميت روحًا، وإن تطهرت من غبش الحس بالكلية سميت سرًا، وأصلها من حيث هي نور رباني وسر لاهوتي. ولذلك قال تعالى فيها :﴿قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِي﴾ [الإسرَاء : ٨٥]، فالسوء عارض لها، لا ذاتي، فما خلقت إلا من نور القدس. والله تعالى أعلم.
١٧١
ثم عاتب بني إسرائيل على سفك الدماء والإفساد في الأرض، بعد ما حرم ذلك عليهم في التوراة، فقال :
﴿... وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالّبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ بَعْدَ ذالِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ﴾
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ولقد جاءتهم﴾ أي : بني إسرائيل، ﴿رُسلنا بالبينات﴾ أي : بالمعجزات الواضحات، ﴿ثم إن كثيرًا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون﴾ بسفك الدماء وكثرة المعاصي. قال البيضاوي : أي : بعدما كتبنا عليهم هذا التشديد العظيم من أجل إتيان تلك الجناية، وأرسلنا إليهم الرسل بالآيات الواضحة تأكيدًا للأمر وتجديدًا للعهد، كي يتحاموا عنها، كثير منهم يسرفون في الأرض بالقتل ولا يبالون، وبهذا اتصلت القصة بما قبلها، والإسراف : التباعد عن حد الاعتدال في الأمر. هـ.


الصفحة التالية
Icon