الإشارة : قد قيض الله لهذه الأمة المحمدية من يقوم بأمر دينها، ظاهرفا وباطنًا، وهم ورثته في الظاهر والباطن، وفي الخبر : علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل، فلكل زمان رجال يقومون بالشريعة الظاهرة وهم العلماء، ورجال يقومون بالحقيقة الباطنة، وهم الأولياء، فمن قصر في الجهتين قامت عليه الحجة، ولله الحجة البالغة، فمن أسرف أو طغى أدبته الشريعة وأبعدته الحقيقة. وبالله التوفيق.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٦٩
قلت : سبب نزل الآية عند ابن عباس : قوم من اليهود كان بينهم وبين رسول الله ﷺ عهد، فنقضوا العهد وقطعوا السبيل. وهو مناسب لما قبله، وقال جماعة : نزلت في نفر من عُكل وعُرينَة، أظهروا الإسلام بالمدينة، ثم خرجوا وقتلوا راعي النبي ﷺ وأخذوا إبله، فبعث في إثرهم، فأُخذوا، فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم، فماتوا، ثم حُكمُها جارِ في كل محارب، والمحاربة عند مالك : هي حمل السلاح على الناس في بلد أو في خارج عنه، وقال أبو حنيفة : لا يكون المحارب إلا خارج البلد، ﴿فسادًا﴾ : منصوب على العلة، أو المصدر، أو على حذف الجار.
١٧٢
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿إنما جزاء الذين يحاربون الله﴾ حيث حاربوا عباده، فهو تغليظ ومُبالغة، ﴿و﴾ يحاربون ﴿رسوله﴾ كما فعل العُرَينيون أو غيرهم، ﴿ويسعون في الأرض فسادًا﴾ بالفساد كإخافة الناس، ونَهب أموالهم. قال ابن جزي : هو بيان للحرابة، وهي درجات ؛ فأدناها : إخافة الطريق، ثم أخذ الأموال، ثم قتل النفس.