فجزاؤهم ﴿أن يُقتلوا أو يُصلبوا﴾، فالصلب مضاف للقتل، فقيل : يقتل ثم يصلب، إرهابًا لغيره، وهو قول أشهب، وقيل : يصلب حيًا ويُقتل في الخشبة، وهو قول ابن القاسم، ﴿أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف﴾، فيقطع يده اليمنى ورجله اليسرى، وإن عاد قطعت يده اليسرى ورجله اليمنى، وقطع اليد من الرسغ، الرجل من المفصل كالسرقة، ﴿أو يُنفوا من الأرض﴾ أي : ينفوا من بلد إلى بلد، ويسجنوا فيه حتى تظهر توبتهم. وقال أبو حنيفة : يسجن في البلد بعينه. ومذهب مالك : أن الإمام مخير في المحارب بين ما تقدم، إلا أنه قال : إن كان قتل فلا بد من قتله، وإن يقتل فالأحسن أن يؤخذ فيه بأيسر العقاب.
أولئك المحاربون ﴿لهم خزي في الدنيا﴾ : ذل وفضيحة، ﴿ولهم في الآخرة عذاب عظيم﴾ لعظم ذنوبهم. ظاهره أن العقوبة في الدنيا لا تكون كفارة للمحاربين بخلاف سائر الحدود. ويحتمل أن يكون الخزي في الدنيا لمن عوقب، وفي الآخرة لمن لم يعاقب، ﴿إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم﴾ بأن جاؤوا تائبين ﴿فاعلموا أن الله غفور رحيم﴾، فيسقط عنهم حكم الحرابة، واخُتلف : هل يطالب بما عليه من حقوق الناس كالدماء أم لا ؟ فقال الشافعي : يسقط عنه بالتوبة حد الحرابة، ولا يسقط حقوق بني آدم، وقال مالك : يسقط عنه جميع ذلك، إلا أن يُوجد معه مال رجل بعينه، فَيُرَدَّ إلى صاحبه، أو يطلبه ولي دم بدم تقوم البينة فيه، فيقاد به، وأما الدماء والأموال التي لم يطالب بها، فلا يتبعه الإمام بشيء منها.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٧٢
وتقييد التوبة بالتقدم على القدرة، يدل على أنها بعد القدرة لا تسقط الحد، وإن أسقطت العذاب، والآية في قُطَّاع المسلمين ؛ لأن توبة المشرك تدرأ عنه العقوبة قبل القدرة وبعدها. هـ. قاله البيضاوي : والله تعالى أعلم.