الإشارة : فرق كبير بين من يرجع إلى الله بملاطفة الإحسان، وبين من يقاد إليه بسلاسل الامتحان، هؤلاء المحاربون لم يرجعوا إلى الله حتى أُخذوا وقُتلوا وصُلبوا أو قطعت أيديهم وأرجلهم. وإن رجعوا إليه اختيارًا قبلهم، وتاب عليهم ورحمهم وتعطف عليهم، وكذلك العباد : من رجع إلى الله قبل هجوم منيته قَبِله وتاب عليه، وإن جد في الطاعة قرَّبه وأدناه، وإن تقدمت له جنايات، وقد خرج من اللصوص كثير من الخصوص، كالفضيل، وابن أدهم، وغيرهما، ممن لا يحصى، سبقت لهم العناية فلم تضرهم الجناية. وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق.
١٧٣
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٧٢
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله﴾، ولا تسلكوا سبيل بني إسرائسيل الذين جاءتهم الرسل، فعصوا وأفسدوا ﴿وابتغوا إليه الوسيلة﴾ أي : اطلبوا ما تتوسلون به إلى رضوانه، والقرب من جناب قدسه من الطاعات، وترك المخالفات، ﴿وجاهدوا في سبيله﴾ بمحاربة أعدائه الظاهرة والباطنة ﴿لعلكم تفلحون﴾ بالوصول إلى الله والفوز بكرامته.
الإشارة : لا وسيلة أقرب من صحبة العارفين، والجلوس بين أيديهم وخدمتهم، والتزام طاعتهم، فمن رام وسيلة توصله إلى الحضرة غير هذه فهو جاهل بعلم الطريق. قال أبو عمرو الزجّاجي رضي الله عنه : لو أن رجلاً كشف له عن الغيب، ولا يكون له استاذ لا يجيء منه شيء.
وقال إبراهيم بن شيبان رضي الله عنه : لو أن رجلاً جمع العلوم كلها، وصحب طوائف الناس، لا يبلغ مبلغ الرجال إلا بالرياضة، من شيخ أو إمام أو مؤدب ناصح، ومن لا يأخذ أدبه من آمر له وناهٍ يريه عيوبَ أعماله ورُعونات نفسه، لا يجوز الاقتداء به في تصحيح المعاملات. هـ.