وقال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه : كل من لا يكون له في هذا الطريق شيخ لا يفرح به. هـ. ولو كان وافر العقل منقاد النفس، واقتصر على ما يلقى إليه شيخ التعليم فقط، فلا يكمل كمال من تقيد بالشيخ المربي ؛ لأن النفس أبدًا كثيفة الحجاب عظيمة الإشراك، فلا بد من بقاء شيء من الرعونات فيها، ولا يزول عنها ذلك، بالكلية، إلا بالانقياد للغير والدخول تحت الحكم والقهر، وكذلك لو كان سبقت إليه من الله عناية وأخذه الحق إليه، وجذبه إلى حضرته، لا يؤهل للمشيخة، ولو بلغ ما بلغ، والحاصل : أن الوسيلة العظمى، والفتح الكبير، إنما هو في التحكيم للشيخ، لأن الخضوع لمن هو من جنسك تأنفه النفس، ولا تخضع له إلا النفس المطمئنة، التي سبقت لها من الله العناية. والله تعالى أعلم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٧٣
١٧٤
قلت :﴿لو أن لهم﴾ : الجار متعلق بالاستقرار، لأنه خير " إن " مقدمًا، والضمير في ﴿به﴾ : يعود على ما ومثله، ووحده باعتبار ما ذكر كقوله :﴿عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ﴾ [البَقَرَة : ٦٨].
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿إن الذين كفروا﴾ حين يشاهدون العذاب يتمنون الفداء، فلو ﴿أن لهم ما في الأرض جميعًا﴾ من الأموال والعقار ﴿ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تُقبل منهم﴾ ولا ينفعهم ﴿ولهم عذاب مقيم﴾ لا خلاص لهم منه، وهذا كما ترى في الكفار، وأما عصاة المؤمنين فيخرجون منها بشفاعة نبيهم ـ عليه الصلاة والسلام ـ ولا حجة للمعتزلة في الآية، خلافًا لجهالة الزمخشري.
الإشارة : كل من مات تحت قهر الحجاب، ونكّبته المشيئة عن دخول الحضرة مع الأحباب، حصل له الندم يوم القيامة، فلو رام أن يفتدى منه بملء الأرض ذهبًا ما تقبل منه، بل يبقى مقيمًا في غم الحجاب، معزولاً عن رؤية الأحباب، يتسلى عنهم بالحور والولدان، وتفوته نظرة الشهود والعيان في كل حين وأوان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.