جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٧٤
قلت :﴿السارق﴾ : مبتدأ والخبر محذوف عند سيبويه، وهو الجار والمجرور، أي : مما يتلى عليكم حكم السارق والسارقة، وقال المبرد : الخبر هو جملة :﴿فاقطعوا﴾، ودخلت الفاء لمعنى الشرط ؛ لأن الموصول ـ وهو " ألـ " ـ فيه معنى الشرط، ومثله :﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَأجْلِدُواْ﴾ [النُّور : ٢]، قلت : وهو أظهر، فإن قلت : ما الحكمة في تقديم المُذكر في هذه الآية، وفي أية الزنا قدم المؤنث، فقال :﴿الزَّانِيَهُ وَالزَّانِى﴾ ؟ فالجواب : أن السرقة في الرجال أكثر، والزنى في النساء أكثر، فقدّم الأكثر وقوعًا. وقدّم العذاب هنا على المغفرة، لأنه قابل بذلك تقدم السرقة على التوبة، أو لأن المراد به القطع، وهو مقدم في الدنيا، ﴿جزاء﴾ و ﴿نكالاً﴾ : علة أو مصدر.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما﴾ أي : أيمانهما من الرسغ، بشروط، منها : ألاَّ يكون مضطرًا بالجوع، على قول مالك، فيقدم السرقة على الميتة، إن عُلِم تصديقه. ومنها : ألاَّ يكون السارق أبًا أو عبدًا سرق مال ولده أو
١٧٥
سيده. ومنها : أن يكون سرق من حرز، وأن يكون نِصَابًا، وهو ربع دينار، أو ثلاثة دراهم، أو ما يساويهما عند مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة : لا قطع في أقل من عشرة دراهم، وقال عثمان البَتى : يُقطع في درهم فما فوق. وفي السرقة أحكام مبسوطة في كتب الفقه.
وعلة القطع : الزجر، ولذلك قال :﴿جزاء بما كسبا نكالاً من الله والله عزيز حكيم﴾. فإن قلت : ما الحكمة في قطعها في ربع دينار، مع أن دِيتَهَا أن قطعت، خمسمائة دينار ؟ قلت : ذل الخيانة أسقطت حرمتها بعد عز الصيانة. فافهم حكمة الباري.