قلت :﴿للذين هادوا﴾ : متعلق بيحكم، أو بأنزلنا، أو بهدى ونور، و ﴿الربانيون﴾ : عطف على ﴿النبيون﴾، وهم العباد والزهاد منهم، والأحبار : علماؤهم، جمع حبر ـ بكسر الحاء وفتحها، وهو أشهر استعمالاً ؛ للفرق بينه وبين المداد، و ﴿بما استحفظوا﴾ : سببية متعلق بيحكم، أو بدل من ﴿بها﴾ والعائد إلى " ما " محذوف، أي : استحفظوه.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿إنا أنزلنا التوراة فيها هدى﴾ أي : ما يهدي إلى إصلاح الظواهر من النواهي والأوامر، و ﴿نور﴾ تستنير به السرائر، وتشرق به القلوب والضمائر، من الاعتقادات الصحيحة والقعائد الراجحة، والعلوم الدينية والأسرار الربانية. ﴿يحكم بها النبيون﴾ الذين أتوا بعد موسى ـ عليه السلام ـ إلى محمد ﷺ، وهم ﴿الذين أسلموا﴾ إي : انقادوا بكليتهم إلى ربهم، ولم تبق بقية لغير محبوبهم، وفيه تنويه بشأن الإسلام وأهله، وتعريض باليهود ؛ فإنهم بمعزل عن دين الأنبياء واقتفاء هديهم، حيث لم يتصفوا به، يحكم بها ﴿للذين هادوا﴾ وعليهم، وهم اليهود، ﴿و﴾ يحكم بها أيضًا ﴿الربانيون والأحبار﴾ أي : زهادهم وعلماؤهم السالكون طريقة أنبيائهم، ﴿بما استُحفظوا من كتاب الله﴾ أي : بسبب أمر الله تعالى لهم أن يحفظوا كتابه من التضييع والتخريف. ﴿وكانوا عليه شهداء﴾ أي : رقباء، فلا يتركون من يُغيرها أو يحرفها، ولما طال العهد عليهم حرفوا وغيروا، بخلاف كتابنا، حيث تولى حفظه الحق ربنا، فلا يزال محفوظًا لفظًا ومعنى إلى قيام الساعة، قال تعالى :﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الّذِكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحِجر : ٩]. فللَّه الحمد.