يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿وكتبنا﴾ على بني إسرائيل، أي : فرضنا وألزمنا عليهم في التوراة ﴿أن النفس﴾ تقتل بالنفس في القتل العمد إن كان المقتول مسلمًا حرًا، فلا يقتل مسلم بكافر إلا إن قتله غيلة، ولا حر بعبد، للحديث، ﴿والعينَ﴾ تُفقأ ﴿بالعين﴾، ﴿والأنفَ﴾ تُجدع ﴿بالأنفِ﴾، ﴿والأُذنَ﴾ تُصلم ﴿بالأُذنِ﴾، ﴿والسِّن﴾ تُقلع ﴿بالسن﴾،
١٨١
﴿والجروح قصاص﴾ ؛ يقتص من الجارح بمثل ما فَعل، إلا ما يخاف منه كالمأمومة، والجائفة، وكسر الفخذ، فيعطي الدية، ﴿فمن تصدق به﴾ أي : بالدم، بأن عَفى عن الجارح أو القاتل فلم يقتص، ﴿فهو كفّارة له﴾ أي للمقتول، يغفر الله ذنوبه ويعظم أجره، أو كفارة للقاتل أو الجارح، يعفو الله بذلك عن القاتل ؛ لأن صاحب الحق قد عفا عنه، أو كفارة للعافي ؛ لأنه مسامح في حقه، أو من تصدق بنفسه ومكنها من القصاص فهو كفارة له، اقتص منه أو عُفي عنه.
وفيه دليل على أن الحدود مكفرة لا زواجر، وزعم ابن العربي : أن المقتول يُطالب يوم القيامة، ولو قتل في الدنيا قصاصًا ؛ لأنه لم يتحصل للمقتول من قتل قاتله شيء، وأن القصاص إنما هو ردع، وأجيب بمنع أنه لم يتحصل له شيء، بل حصلت له الشهادة وتكفير لذنوبة، كما في الحديث :" السيف محاء للخطايا " ولو كان القصاص للردع خاصة لم يشرع العفو، قاله ابن حجر، وفي حديث البخاري :" من أصاب من ذلك شيئًا فعوقب به في الدنيا، فهو كفارة له، وإن ستره الله فهو في المشيئة ". ﴿ومن لم يحكم بما أنزل الله﴾ من القصاص وغيره ﴿فأولئك هم الظالمون﴾ ؛ المتجاوزون حدود الله، وما كتب الله على بني إسرائيل هو أيضًا مكتوب علينا، لأن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخ، ولا ناسخ هنا، بل قررته السنة والإجماع. والله تعالى أعلم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٨١


الصفحة التالية
Icon