الإشارة : القصاص مشروع وهو من حقوق النفس ؛ لأنها تطلبه تشفيًا وغيظًا، والعفو مطلوب ومرغب فيه، وهو من حقوق الله، هو طالبه منك، وأين ما تطلبه لنفسك مما هو طالبه منك ؟ ومن شأن الصوفية الأخذ بالعزائم، واتباع أحسن المذاهب، قال تعالى :﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾ [الزُّمَر : ١٨]، ومن شأنهم أيضًا : الغيبة عن حظوظ النفس، ولذلك قالوا :( الصوفي دمه هدر، وماله مباح)، وقالو أيضًا :( الصوفي كالأرض، يُحرح عليها كل قبيح، وهي تُنبت كلَّ مليح)، ـ ومن أوكد الأمور عندهم عدم الانتصار لأنفسهم. وبالله التوفيق.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٨١
١٨٢
قلت :﴿قفينا﴾ : اتبعنا، مشتق من القفا ؛ كأن مجيء عيسى كان في قفا مجيء النبيين وخلفهم، وحذف المفعول الأول، أي : أتبعناهم، و ﴿بعيسى﴾ مفعول ثاني، وجملة :﴿فيه هدى ونور﴾ : حال من ﴿الإنجيل﴾، و ﴿مصدقًا﴾ : عطف عليه.
يقول الحقّ جلّ جلاله : وأتبعنا النبيين المتقدمين وجئنا على إثرهم ﴿بعيسى ابن مريم مصدقًا لما بين يديه﴾ أي : ما تقدم أمامه ﴿من التوراة﴾ وتصديقه للتوراة ؛ إما لكونه مذكورًا فيها ثم ظهر، أو بموافقة ما جاء به من التوحيد والأحكامِ لما فيها، أو لكونه صدَّق بها وعمل بما فيها.
﴿وآتينا الإنجيل فيه هدى ونور﴾ ؛ فالهدى لإصلاح الظواهر بالشرائع، والنور لإصلاح الضمائر بالعقائد الصحيحة والحقائق الربانية، ﴿ومصدقًا لما بين يديه من التوراة﴾ بتقرير أحكامها، والشهادة على صحتها، ﴿وهدى وموعظة للمتقين﴾ أي : وإرشادًا وتذكيرًا للمتقين ؛ لأنهم هم الذين ينفع فيهم الموعظة والتذكير، دون المنهمكين في الغفلة، قد طبع الله على قلوبهم فهم لا يسمعون.