ثم أمر الله أهل الإنجيل بالحكم بما فيه، فقال :﴿وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه﴾ من الأحكام، وقرأ حمزة :﴿وليحكم﴾ بلام الجر ؛ أي : وآتيناه الإنجيل ليحكم أهل الإنجيل بما فيه، ﴿ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون﴾ ؛ الخارجون عن طاعة الحق. قال البيضاوي : والآية تدل على أن الإنجيل مشتملة على الأحكام، وأن اليهودية منسوخة ببعث عيسى عليه السلام، وأنه كان مستقلاً بالشرع، وحمَلها على : وليحكموا بما أنزل الله، فيه من إيجاب العمل بأحكام التوراة خلاف الظاهر. هـ.
الإشارة : قد جمع الله في هذه الأمة المحمدية ما افترق في غيرها في الأزمنة المتقدمة، فعلماؤها وأولياؤها كالأنبياء والرّسل، كلما مات عالم أو ولي قفاه الله بآخر، أما العلماء فأمرهم متفق وحالهم متقارب، فمدار أمرهم على تحصيل العلوم الرسمية والأعمال الظاهرية، وأما الأولياء ـ رضي الله عنهم ـ، فأحوالهم مختلفة، فمنهم من يكون على قدم نوح عليه السلام في القوة والشدة، ومنهم من يكون على قدم إبراهيم عليه السلام في الحنانة والشفقة. ومنهم من يكون على قدم موسى عليه السلام في القوة أيضًا، ومنهم من يكون على قدم عيسى عليه السلام في الزهد والانقطاع إلى الله تعالى، ومنهم من يكون على قدم نبينا محمد ﷺ، وهو أعظمهم لجمعه ما افترق في غيره، وكل واحد يؤتيه الله نورًا في الباطن يجذب به القلوب إلى الحضرة، وهدى في الظاهر يصلح به الظواهر في الشريعة. والله تعالى أعلم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٨٢
قلت :﴿مهيمنًا﴾ أي : شاهدًا، والشرعة والمنهاج : قال ابن عطية : معناهما واحد، وقال ابن عباس : أي سبيلاً وسنة. قلت : والظاهر : أن الشرعة يراد بها الأحكام الظاهرة، وهي التي تًصلح الظواهر، والمنهاج يراد به علوم الطريقة الباطنية، وهي التي تصلح الضمائر، وهو مضمن علم التصوف.


الصفحة التالية
Icon