رُوِي أن أحبار اليهود قالوا : اذهبوا بنا إلى محمد لعلنا نفتنه عن دينه، فقالوا : يا محمد، قد عرفت أنَّا أحبار اليهود، وأنّا إن اتبعناك اتبعتك اليهود كلهم، وإن بيننا وبين قومنا خصومة، فنتحاكم إليك، فتقضي لنا عليهم، ونحن نؤمن بك ونصدقك، فأبى ذلك عليهم رسول الله ﷺ، وردَّهم، فنزلت الآية.
قال تعالى لنبيّه ـ عليه الصلاة والسلام ـ :﴿فإن تولوا﴾ عن الإيمان، بل وأعرضوا عن اتباعك، ﴿فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم﴾ في الدنيا، ويدخر جُلَّها
١٨٥
للآخرة، وقد أنجز الله وعده، فأجلى بني النضير، وقتل بني قريظة، وسبا نساءهم وذراريهم، وباعهم في الأسواق، وفتح خيبر، وضرب عليه الجزية، ﴿وإنَّ كثيرًا من الناس لفاسقون﴾ ؛ خارجون عن طاعة الله ورسوله، ﴿أفحكم الجاهلية يبغون﴾ أي : يطلبون منك حكم الملة الجاهلية التي هي متابعة الهوى، ﴿ومن أحسن من الله حكمًا لقوم يوقنون﴾ أي : لا أحد أحسن حكمًا من الله تعالى عند أهل الإيقان ؛ لأنهم هم الذين يتدبرون الأمر، ويتحققون الأشياء بأنظارهم، فيعلمون ألاَّ أحسن حكمًا من الله عز وجل.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٨٥
الإشارة : إذا كثرت عليك الخصوم الوهمية أو الواردات القلبية، والتبس عليك أمرهم، ولم تدر أيهما تتبع ؟ فاحكم بينهم بالكتاب والسنة، فمن وافق كتاب الله وسنة رسول الله ﷺ فاتبعه، فإن من أمَّر الكتاب والسُّنة على نفسه نطق بالحكمة، وإن وافق أكثرُ من واحد الكتاب أو السنة، فانظر أثقلهم على النفس، فإنه لا يثقل عليها إلا ما هو حق، ولا تتبع أهواء النفوس والخواطر، واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل على قلبك من العلوم والأسرار، فإن متابعة الهوى يُعمي القلب عن مطالعة الأسرار، إلا إن وافق السُّنة.