يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه﴾ ويرجع عنه بعد الدخول فيه، فسيأتي الله بقوم مكانهم ؛ ﴿يحبهم﴾ فيثبتهم على دينهم، ﴿ويحبونه﴾ فيجاهدون من رجع عن دينه، وهم أهل اليمن، والأظهر أنهم أبو بكر الصدّيق وأصحابه، الذين قاتلوا أهل الردة، ويدل على ذلك الأوصاف التي وصفهم الله بها من الجد في قتالهم، والعزم عليه، التي كانت من أوصاف الصدّيق، وكذلك قوله :﴿أذلة على
١٨٨
المؤمنين أعزة على الكافرين﴾ فقد كان أبو بكر ضعيفًا في نفسه، قويًا في ذات الله، لم يخف في الله لومة لائم، حين لامه بعض الصحابة في قتالهم.
وفي الآية إخبار بالغيب قبل وقوعه، فقد ارتد من العرب في أواخر عهد رسول الله ﷺ ثلاث فرق : بنو مدلج، وكان رئيسهم الأسود العنسي، تنبأ باليمن، واستولى على بلادهم، ثم قتله فيروز الديلمي، ليلة قٌبض رسولُ الله ﷺ من غدها، وأخبر بموته الرسولُ ـ عليه الصلاة والسلام ـ فسُر المسلمون. وبنو حنيفة أصحاب مسيلمة الكذاب، تنبأ باليمامة، وكتب إلى رسول الله ﷺ : من مسيلمةَ رسول الله إلى محمد رسول الله، أما بعد : فإن الأرض نصفها لي ونصفها لك، فأجابه ﷺ :" من مُحمَّدٍ رَسُول اللهِ إلى مسيلمةَ الكَذَّابِ، أمَّا بَعدُ : فَإنَّ الأرض للهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِن عِبَادِهِ والعَاقِبَة للمتّقِين "، فحاربه أبو بكر بجند المسلمين، وقتله وحشي قاتلُ حمزة، وبنو أسد قوم طليحة، تنبأ فبعث إليه رسول الله ﷺ خالد بن الوليد فقاتله، فهرب إلى الشام، ثم أسلم وحسن إسلامه.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٨٨