﴿لولا ينهاهم﴾ أي : هلا ينهاهم ﴿الربانيون﴾ أي : عُبّادُهم ورهبانهم، ﴿والأحبار﴾ أي : علماؤهم وأساقفتهم، ﴿عن قولهم الإثم﴾ أي : الكذب، ﴿وأكلهم السحت﴾ : الحرام، ﴿لبئس ما كانوا يصنعون﴾ من السكوت عنهم، وعدم الإنكار عليهم، عبّر أولاً بيعلمون وثانيًا بيصنعون ؛ لأن الصنع أبلغ، ولأن الصنع عمل بعد تدريب وتدقيق وتحري أجادته وجودته، بخلاف العمل، ولا شك أن ترك التغيير والسكوت على المعاصي من العلماء وأولى الأمر أقبح وأشنع من ومواقعة المعاصي، فكان جديرًا بأبلغ الذم، وأيضًا : ترك التغيير لا يخلوا من تصنع، فناسب التعبير بيصنعون، وفي الحديث عنه ﷺ :" مَا مِن رَجُل يُجَاورُ قَومًا فَيَعمَلُ بالمَعَاصِي بَين أظْهُرِهم إلاَّ أوشَكَ اللهُ تَعَالَى أن يَعُمَّهُمُ مِنه بِعِقَاب " وقد قال تعالى :﴿وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً﴾ [الأنفَال : ٢٥]، فالوبال الذي يترتب على ترك الحسبة أعظم من الوبال الذي يترتب على المعصية، فكان التوبيخ على ترك الحسبة أعظم.
١٩٥
ثم نعى عليهم مقالاتهم الشنيعة، التي هي من جملة قولهم الإثم، فقال :﴿وقالت اليهود يد الله مغلولة﴾ أي : مقبوضة عن بسط الرزق. رُوِي أن اليهود أصابتهم سنة جدبة بشؤم تكذيبهم للنبي ﷺ فقالوا هذه المقالة الشنيعة، والذي قالها فِنحاص، ونسبت إلى جملتهم ؛ لأنهم رضوا بقوله، فعل اليد كناية عن البخل، وبسطها كناية عن الجود، ومنه :﴿وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ﴾ [الإسرَاء : ٢٩].
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٩٥