ثم رد عليهم فقال :﴿غُلّت أيديهم﴾، يحتمل أن يكون دعاءً أو خبرًا، ويحتمل أن يكون في الدنيا بالأسر والقبض، أو في الآخرة بجعل الأغلال فيها إلى عنقهم في جهنم، قال تعالى :﴿بل يداه مبسوطتان﴾، أي : نعمه مبسوطة على عباده، سحاء عليهم، الليل والنهار، وإنما ثنيت اليدان عنها، وأفردت في قول اليهود ؛ ليكون أبلغ في الرد عليهم، ومبالغة في وصفه تعالى بالجود والكرم، كما تقول : فلان يعطي بكلتا يديه ؛ إذا كان عظيم السخاء، أو كناية عن نعم الدنيا والآخرة، أو عن ما يعطيه استدارجًا وما يعطيه للإكرام. ثم أكده بقوله :﴿يُنفق كيف يشاء﴾ أي : هو مختار في إنفاقه، يوسع تارة ويضيق تارة أخرى، على حسب مشيئته ومقتضى حكمته. ولمّا عميت بصيرتهم بالكفر، وقست قلوبهم بالذنوب، كانوا كلما ازدادوا تذكيرًا بالقرآن، زادوا في العتو والطغيان، كما قال تعالى :﴿وليزيدن كثيرًا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانًا وكفرًا﴾ ؛ إذ هو متعصبون بالكفر والطغيان، ويزدادون طغيانًا وكفرًا بما يسمعون من القرآن، كما يزداد المريض مرضًا من تناول الغذاء الصالح للأصحاء.