ومن مساوئهم أيضًا : تفريق قلوبهم بالعداوة والشحناء، كما قال تعالى :﴿وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة﴾ ؛ فلا تتوافق قلوبهم ولا تجتمع آراؤهم ؛ ﴿كلما أوقدوا نارًا للحرب أطفأها الله﴾ أي : كلما أرادوا حرب الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ وإثارة شر عليه، ردهم الله، وأبطل كيدهم، بأن أوقع بينهم منازعة كف بها شرهم، أو : كلما أرادوا حرب عدو لهم هزمهم الله، فإنهم لما خالفوا حكم التوراة سلط عليهم بختنصر، ثم أفسدوا فسلط عليهم فطرس الرومي، ثم أفسدوا فسلط عليهم المجوس، ثم أفسدوا فسلط عليهم المسلمون. فكان شأنهم الفساد، ولذلك قال تعالى فيهم :﴿ويسعون في الأرض فسادًا﴾ أي : الفساد بإثارة الحروب والفتن، وهتك المحارم، واجتهادهم في الحيل والخدع للمسلمين، ﴿والله لا يحب المفسدين﴾ أي : لا يرضى فعلهم فلا يجازيهم إلا شرًّا وعقوبة.
الإشارة : قال الورتجبي : في الآية تحذير الربانيين العارفين بالله وبحقوق الله، والأحبار العلماء بالله وبعذاب الله لمن عصاه، وبثواب الله لمن أطاعه ؛ لئلا يسكنوا عن الزجر للمبطلين والمغالطين، المائلين عن طريق الحق إلى طريق النفس، وبيّن تعالى أن من داهن في دينه عذب وإن كان ربانيًا. هـ. وفي بعض الأثر :" إذا رأى العالمُ المنكَر
١٩٦
وسكت، فعليه لعنة الله ". والذي يظهر أن نهي الربانيين يكون بالهمة والحال، كقضية معروف الكرخي وغيره ونهي الأحبار يكون بالمقال، وقد تقدم هذا. والله تعالى أعلم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٩٥
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ولو أن أهل الكتاب﴾ ؛ اليهود والنصارى، ﴿آمنوا﴾ بمحمد ﷺ وبما جاء به، ﴿واتقوا﴾ ما ذكرنا من معاصيهم ومساويهم، ﴿لكفّرنا عنهم سيئاتهم﴾ المتقدمة، ولم نؤاخذهم بها، ﴿ولأدخلناهم جنات النعيم﴾ مع المؤمنين، وفيه تنبيه على أن الإسلام يجُب ما قبله ولو عظم، وأن الكتابي لا يدخل الجنة إلا أن يسلم.


الصفحة التالية
Icon