﴿ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل﴾ بالإيمان بما فيهما، وإذاعة علمهما، والقيام بأحكامهما، من غير تفريق بينهما، وآمنوا بما ﴿أُنزل إليهم من ربهم﴾، يعني بسائر الكتب المنزلة، ومن جملتها القرآن العظيم، فإنهم لما كلفوا بالإيمان بها صارت كأنها منزلة عليهم، فلو فعلوا ذلك ﴿لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم﴾ أي : لوسعنا عليهم أرزاقهم، وبسطنا عليهم النعم ؛ بأن يفيض عليهم بركاتٍ من السماء والأرض، أو : لأكلوا من فوقهم بكثرة ثمرة الأشجار، ومن تحت أرجلهم بكثرة الزروع، أو من فوقهم ما يجنون من ثمار أشجارهم، ومن تحت أرجلهم ما يتساقط منها، والمراد : بيان علة قبض الرزق عنهم، وأن ذلك بشؤم كفرهم ومعاصيهم، لا لقصور القدرة عن ذلك.
ولو أنهم أقاموا ما ذكرنا لوسعنا عليهم، ولحصل لهم خير الدارين، ﴿منهم أمة مقتصدة﴾ أي : جماعة عادلة غير غالية ولا مقصرة، وهم الذين آمنوا بمحمد ﷺ، ﴿وكثير منهم ساء ما يعملون﴾ أي : قبح عملهم، وفيه معنى التعجب، أي : ما أسوأ عملهم!، وهو المعاندة وتحريف الحق والإعراض عنه، والإفراط في العداوة. قاله البيضاوي. قال في الحاشية : وفي الآية شاهد لما ورد من افتراق أهل الكتابين على فرق، كما أن شاهد افتراق هذه الأمة آية :﴿وَمِمَّنْ خَلَقْنَآ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ﴾ [الأعرَاف : ١٨١]، وهذه هي الناجية من هذه الأمة. هـ. يعني التي تهدي بالحق إلى الحق، وتعدل به في جميع الأمور.
الإشارة : كل من حقّق الإيمان الكامل والتقوى الكاملة، وسع الله عليه من أرزاق العلوم، وفتحت له مخازن الفهوم، ودخل جنة المعارف، لم يشتق إلى جنة الزخارف، وقال الورتجبي : لو كانوا على محل التحقيق في المعرفة لأكلوا أرزاق الله بالله من خزائن
١٩٧
غيبه، كأصحابه المن والسلوى والمائدة من السماء، ويفتح لهم كنوز الأرض وهم على ذلك، بإسقاط رؤية الوسائط. هـ.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٩٧