وقال القشيري : لو سلكوا سبيل الطاعات لوسعنا عليهم أسباب المعيشة، وسهلنا لهم الحال، إن ضربوا يُمنة، لا يلقون غير اليُمن، وإن ضرَبوا يُسرةَ، لا يجدون إلا اليسر. هـ.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٩٧
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿يا أيها الرسول بلغ﴾ جميع ﴿ما أنزل إليك من ربك﴾ غير مراقب أحدًا ولا خائف مكروهًا، ﴿وإن لم تفعل﴾ ؛ بأن لم تبلغ جميع ما أمرتك وكتمت شيئًا منه، ﴿فما بلغت رسالته﴾ أي : كأنك ما بلغت شيئًا من رسالة ربك ؛ لأن كتمان بعضها يُخل بجميعها، كترك بعض أركان الصلاة. وأيضًا كتمان البعض يُخل بالأمانة الواجبة في حق الرسل، فتنتقض الدعوة للإحلال بالأمانة، وذلك محال. ولا يمنعك أيها الرسول عن التبليغ خوف الإذاية فإن ﴿الله يعصمك من الناس﴾ بضمان الله وحفظه، ﴿إن الله لا يهدي القوم الكافرين﴾ أي : لا يمكنهم مما يريدونه منك. وقد قصده قوم بالقتل مرارًا، فمنعهم الله من ذلك كما في السير عن النبي ﷺ :" بَعَثَني اللهُ بِرِسَالَتِه، فَضِقتُ بها ذَرعًا، فأوحَى اللهُ لي : إن لم تُبلِّغ رِسَالَتِي عَذَّبتُكَ، وَضَمِنَ لِيَ العِصمَةَ فَقَوِيتُ ". وعن أنس : كان رسول الله ﷺ يحرس، حتى نزلت، فأخرج رأسه من قبة أدم، فقال :" انصرفوا يا أيها الناس ؛ فقد عصمني الله من الناس " وظاهر الآية يوجب تبليغ جميع ما أنزل الله. ولعل المراد تبليغ ما يتعلق به مصالح العباد، وقصد بإنزاله إطلاعهم عليه، فإن من الأسرار الإلهية ما يحرم إفشاؤه. قاله البيضاوي.
الإشارة : قال الورتجبي : أمره بإبلاغ ما أنزل إليه من الذي يتعلق بأحكام العبودية، ولم يأمرهم بأنه يعرفهم أسرار ما بينه وبين الله، وما بين الله وبين أنبيائه وأوليائه. ثم قال :﴿والله يعصمك﴾ أي : يعصمك أن يوقعك أحد في التمويه الغلط والحيل في طريقك إليَّ، وهذا لكونه مختارًا بالرسالة، وحقائق الرسالة في الرسول : ظهور أنوار
١٩٨


الصفحة التالية
Icon