يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿تلك﴾ الأحكام التي شرعناها لكم في أمر الوصايا والمواريث، هي ﴿حدود الله﴾ حدَّها لكم لتقفوا معها ولا تتعدوها ﴿ومن يطع الله﴾ فيما أمر به وحدّه ﴿ورسوله﴾ فيما شرَّعه وسنَّه ﴿ندخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز﴾ أي : الفلاح ﴿العظيم﴾، ﴿ومن يعص الله﴾ فيما أمر ونهى، ﴿ورسوله﴾ فيما شرعه، ﴿ويتعدّ حدوده﴾ التي حدها، فتجاوز إلى متابعة هواه، ﴿ندخله نارًا خالدًا فيها وله عذاب مهين﴾. وهذا إذا أنكر مشروعيتها فيكون كافرًا، وإلاَّ كان عاصيًا في حكم المشيئة، ومذهب أهل السنة أنه لا يخلد، وحملوا الآية على الكافر، أو عبارة عن طول المدة، كما في قاتل النفس. والله أعلم.
٢٠
الإشارة : قد حدَّ الحق ـ جل جلاله ـ لأهل الشريعة الظاهرة حدودًا قام ببيانها العلماء، وحدَّ لأهل الحقيقة ـ وهي سر الولاية ـ حدودًا، قام بها الأولياء، فمن قام بحدود الشريعة الظاهرة كان من المؤمنين الصالحين، ومن تعداها كان من العاصين الظالمين، ومن قام بحدود الحقيقة الباطنية، وصحب أهلها كان المحسنين العارفين المقربين، ودخل جنة المعارف، ومن تعدَّ حدود الحقيقة، أو لم يصحب أهلها كان من عوام أهل اليمين، وله عذاب الحجاب في غم الحساب، وقال في الحاشية : في حد حدوده إشارة للعبودية، في إخراج كل عن نظره واختياره، ثم انقياده وذلته لحكم ربه، والوقوف عند حدوده.
وقال الورتجبي : قيل :﴿تلك حدود الله﴾ أي : الإظهار من الأحوال للمريدين على حسب طاقتهم لها، فإن التعدي فيها يهلكهم، وقال أبو عثمان : ما هلك امرؤ لزم حده ولم يتعد طوره. هـ. وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٠