يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿و﴾ النساء ﴿اللاتي يأتين الفاحشة﴾ أي : الزنى، سُمِّيَ فاحشة لفُحش قبحه وبشاعة فعله شرعًا، ﴿من نسائكم﴾ المسلمات، ﴿فاستشهدوا عليهن﴾ أي : اطلبوا مَنْ رَمَاهُنَّ بذلك أن يُشْهِدوا ﴿عليهن أربعة منكم﴾، أي : من عدول المؤمنين يرونهما كالمرود في المكحلة، وإنما جعلوا أربعة مبالغة في الستر على المؤمن، أو ليكون على كل حال واحد اثنان، ﴿فإن شهدوا﴾ عليهن بذلك ﴿فأمسكوهن في البيوت﴾، واجعلوه سجنًا لهن ﴿حتى يتوفاهن الموت﴾ أي : يستوفي أجلّهن الموتُ، أو يتوفاهن ملك الموت، ﴿أو يجعل الله لهن سبيلاً﴾ كتعيين الحد المخلّص من السجن، وكان هذا في أول الإسلام ثم نُسخ بما في سورة النور من الحدود، ويحتمل أن يراد التوصية بإمساكهن بعد أن يُجلدن كي لا يَعُدْن إلى الزنى بسبب الخروج والتعرض للرجال.
واكتفى بذكر حدِّهن، بما في سورة النور، وهذا الإمساك كان خاصًا بالنساء بدليل قوله ﴿واللذان يأتيانها منكم﴾ أي : الزاني والزانية منكم، ﴿فآذوهما﴾ بالتوبيخ والتقريع ـ
٢١
﴿فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما﴾ أي : اقطعوا عنهما الأذى، أو أعرِضوا عنهما بالإغماض عن ذكر مساوئهما.
قيل : إن هذه الآية سابقة على الأولى نزولاً، وكان عقوبة الزنى الأذى ثم الحبس ثم الجلد، وقيل، الحبس في المساحقات، والإيذاء في اللواطين، وما في سورة النور في الزناة. والذي يظهر. أن الحكم كان في أول الإسلام في الزنا : الإمساك للنساء في البيوت بعد الإيذاء بالتوبيخ، فتُمسك في بيتها حتى تموت، أو يجعل الله لها سبيلاً بالتزوج بمن يعفها عنه. والإيذاء للرجال بالتعيير والتقريع والتحجيم حتى تتحقق توبته، ثم نسخ ذلك كله بالحدود، وهو جَلْد البكر مائة وتغريبة عامًا ورجم المحصن. والله تعالى أعلم.