﴿وأُوحي إليَّ هذا القرآن لأُنذركم به﴾ أي : لأخوّفكم به، إن أعرضتم عنه، وأُبشِّركم به إن آمنتم به، واكتفى بذكر الإنذار عن ذكر البشارة ؛ لأنه مصرح به في موضع آخر، ولأن الأهم هنا هو الإنذار ؛ لغلبة الكفر حينئذٍ، وأُنذر به أيضًا كل من بلغه القرآن من الأحمر والأسود، والجن والإنس إلى يوم القيامة. وفيه دليل على أن أحكام القرآن تعُم الموجودين وقت النزول ومَن بعدَهم، وأنه لا يؤاخذ بها من لم تبلغه، وهو نادر، قال سعيد بن جبير :( مَن بلَغه القرآن فكأنما رأى محمدًا صلى الله عليه وسلم).
الإشارة : في الآية حثٌّ على اكتفاء بعلم الله، والاستغناء به عما سواه، وعلامةُ الاكتفاء بعلم الله ثلاث : استواء المدح والذم، والرضى بالقليل والكثير، والرجوع إلى الله وحده في السراء والضراء.
واعلم أن الحق تعالى إذا شهد لك بالخصوصية، ثم اكتفيت بشهادته فأنت من أهل الخصوصية، وإن لم تكتف بشهادته، وتطلعت إلى أن يعلم الناس بخصوصيتك، فأنت كاذب في دعوى الخصوصية. واطلاع الحق تعالى على ثبوت خصوصيتك هو شهادته لك، فاقنع بعلم الله، ولا تلتفت إلى أحد سواه، لئلا ينزعَها مِن قلبك، حيث لم تقنع بعلم الله فيك. وبالله التوفيق.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٤٣
ولمّا أتى قومٌ من الكفار إلى رسول الله ﷺ، فقالوا : يا محمد ؛ أما تعلم أن مع الله إلهًا آخر ؟ أنزل الله تعالى :
﴿... أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَىا قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـاهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ﴾
قلت : الاستفهام للإنكار والتوبيخ.