يقول الحقّ جلّ جلاله : في الإنكار على المشركين :﴿أئنكم لتشهدون أنَّ مع الله آلهة أُخرى﴾ تستحق أن تعبد ﴿قل﴾ لهم يا محمد : أنا ﴿لا أشهدُ﴾ بما تشهدون به، ﴿قل﴾ لهم :﴿إنما هو إله واحد﴾ ؛ بل أشهد ألا إله إلا هو، ﴿وإنني بريءٌ مما تُشركون﴾ به من الأصنام.
الإشارة : لم يَبرَأ من الشرك الخفي والجلِي إلا أهلُ الفناء ؛ الذين وحدوا الله في وجوده، فلم يروَا معه سواه، قال بعضُ من بلغ هذا التوحيد :( لو كُلفت أن أرى غيره لم أستطع ؛ فإنه لا غيرَ معه حتى أشهده) وقال آخر : مُحَالٌ أن تشهده وتشهد معه سواه. وقال شاعرهم :
مُذ عَرَفتُ الإلَه لَم أرَ غَيرًا
وَكَذَا الغَيرُ عِندَنَا مَمنُوعُ
إلى غير ذلك من مقالاتهم الدالة على تحقيق وجدانهم. نفعنا الله بذكرهم ومحبتهم. آمين.
٢٤٤
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٤٣
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿الذين آتيناهم الكتاب﴾ من اليهود والنصارى، ﴿يعرفونه﴾ أي : محمدًا ﷺ بحليته المذكورة في التوراة والإنجيل، ﴿كما يعرفون أبناءهم﴾ أو أشد، وإنما كتموه ؛ جحدًا وخوفًا على رياستهم.. ﴿الذين خسروا أنفسهم﴾ من أهل الكتاب ؛ حيث كذَّبوا وكتموا، ومن المشركين حيث كفروا وجحدوا، ﴿فهم لا يؤمنون﴾ ؛ لتضييعهم ما به يُكتسب الإيمان من النظر والتفكير والإنصاف للحق، فقد ظلموا أنفسهم وبخسوها.
﴿ومَن أظلم ممّن افترى على الله كذبًا﴾ ؛ بأن كتم شهادة الحق، وهي صفة الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ أو ادّعاءُ الملائكة بنات الله، وهؤلاء شفعاؤنا عند الله، ﴿أو كذَّب بآياته﴾ ؛ كالقرآن والمعجزات وسمَّوها سِحرًا، أي : لا أحد أظلم ممن فَعل هذا، وإنما عبَّر بـ " أو "، وهم قد جمعوا بين الأمرين ؛ تنبيهًا على أن كل واحد منهما وحده بالِغٌ غاية الإفراط في الظلم على النفس، ﴿إنه﴾ أي : الأمر والشأن ﴿لا يُفلح الظالمون﴾، فضلاً عمّن لا أحد أظلم منه.