الإشارة : أقبحُ الناس منزلة عند الله، من تحقق بخصوصية ولي من أولياء الله، ثم كَتمها وجَحدها ؛ حسدًا وعنادًا، وجعل يُنكر عليه، فقد آذن بحرب من الله، فالتسليمُ عناية، والانتقاد جناية، والاستنصافُ من شأن الكرام، والتعصب من شأن اللئام. وبالله التوفيق.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٤٤
قلت :﴿لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا﴾، من قرأ بالرفع والتأنيث : ففتنة اسمها، و ﴿إلاَّ أن قالوا﴾ : خبرها، ومن قرأ بالنصب : فخبرٌ مقدم، والتأنيث لأجل الخبر، ومن قرأ بالتذكير والنصب، فخبر مقدم، و ﴿إلاَّ أن قالوا﴾ : أسمها.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿و﴾ اذكر يا محمد ﴿يوم نحشرهم﴾ أي : المشركين، ﴿جميعًا ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم﴾ أي : آلهتكم التي جعلتموها شركاء لله،
٢٤٥
﴿الذين كنتم﴾ تزعمونهم شركاء، وتودونها وتنتصرون لها، فيُحالُ بينهم وبينها، ويتبرأون منها، كما قال تعالى :﴿ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين﴾ أي : لم تكن عاقبة كفرهم الذي افتتنوا به، إلا التبرؤ منه، بعد الانتصار له والتعصب عليه، أو : لم يكن جواب اختبارهم إلا التبرؤ من الشرك، فيكذبون ويحلفون عليه، مع علمهم بأنه لا ينفع من فَرط الحيرة والدهشة.
فإن قلت : كيف يجحدون مع قوله :﴿وَلاَ يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثًا﴾ [النِّساء : ٤٢] فالجواب : أن ذلك يختلف باختلاف الطوائف والمواطن، فيكتم قومٌ ويُقر آخرون، ويكتمون في موطن ويُقرون في موطن آخر ؛ لأن يوم القيامة طويل، وقال ابن عباس لَمَّا سئل عن هذا :( إنهم جحدوا، طَمَعًا في النجاة، فختم الله على أفواههم وتكلمت جوارحهم، فلا يكتمون حديثًا).


الصفحة التالية
Icon