وسبب هذا : الركون إلى دار الغرور ونيسان دار الخلود، ولذلك قال تعالى بإثره :﴿وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو﴾ أي : وما أعمالها إلا لعب ولهو، تُلهي الناس وتشغلهم عما يعقب منفعة دائمة ولذة حقيقية، وما مدة بقائها مع ما يعقبها من الفناء إلاَّ كمدة اللعب واللهو، إذ لا طائل تحته لمن لم يعمر أوقاتها بطاعة ربه، ﴿وللدار الآخرة خير للذين يتقون﴾ ؛ لدوامها وخلوص نعيمها وصفاء لذاتها، ﴿أفلا تعقلون﴾ أيّ الأمرين خير، هل دار الخراب والفناء، أو دار النعيم والبقاء، وفي قوله :﴿للذين يتقون﴾ : تنبيه على أن ما ليس من أعمال المتقين كله لعب ولهو.
٢٥٠
الإشارة : إذا كمل نور العقل حصل لصاحبه التمييز بن الحق والباطل، وبين الضار والنافع، فنظر بعين اعتباره إلى الدنيا، فوجدها ذاهبة فانية، ونظر إلى الآخرة، فرآها مقبلة باقية دائمة، فصدف عن الدنيا مُوليًا، وأعرض عن زهرتها مدبرًا، وأقبل بكليته إلى مولاه، غائبًا عن كل ما سواه، فجعل الموت وما بعده نصب عينيه، وخلف الدنيا وراء ظهره أو تحت قدميه. وفي الحِكم :" لو أشرق نور اليقين في قلبك، لرأيت الآخرة أقرب من أن ترحل إليها، ولرأيت الدنيا، وكسفَةُ الفناء ظاهرة عليها " وقال بعض الحكماء :( لو كانت الدنيا من ذهب يفنى، والأخرة من طين يبقى، لاختار العاقل ما يبقى على ما يفنى، ولا سيما والأمر بالعكس، الدنيا من طين يفنى ؛ والآخرة من ذهب يبقى). فلا يختار هذه الدار إلا من لا عقل له أصلاً. وفي الحديث عنه ﷺ :" الدُّنيا دَارُ مَن لا دَار لَه، وَمَالُ مَن لا مَالَ لَهُ، لَهَا يَجَمعُ مَن لاَ عَقل لَهُ، وعلَيها يُعَادى مَن لا عِلم عِنده " أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٥٠


الصفحة التالية
Icon