قلت :﴿قد﴾ للتحقيق، وإنه ضمير الشأن، وقرأ نافع :" يُحزن "، بضم الياء حيث وقع، إلا قوله :﴿لاَ يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ﴾ [الأنبيَاء : ١٠٣] والباقون : بفتح الياء، وفيه لغتان : حزن يحزُن، كنصر ينصر، وأحزن يحزِن. والأول أشهر. ومن قرأ :" يُكذّبُونَك " بالتشديد ؛ فمعناه : لا يعتقدون كذبك، وإنما هم يجحدون الحق مع علمهم به، ومن قرأ بالتخفيف فمعناه : لا يجدونك كاذبًا، يقال : أكذبت الرجل إذا وجدته كاذبًا، وقيل : معناهما واحد، يقال : كذّب فلانٌ فلانًا، وأكذبه، بمعنى واحد، وفاعل ﴿جاءك﴾ : مضمر، أي : نبأ أو بيان، وقيل : الجار والمجرور. وجواب ﴿فإن استطعت﴾ : محذوف، أي : فافعل.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون﴾ أي : الكفار في جانبك ؛ من أنك شاعر أو كاهن أو مجنون أو كاذب، . ﴿فإنهم لا يُكذبونك﴾ في الحقيقة، لجزمهم بصحة نبوتك، ولكنهم يجحدون بآيات الله، حسدًا وخوفًا على زوال
٢٥١
الشرف من يدهم : نزلت في أبي جهل، قال لرسول الله ﷺ :" إِنَّا لاَ نُكَذِّبُكَ، ولكِن نُكذِّبُ بِمَا جئتَ بِهِ " وقال الأخنَسُ بن شُرَيق : والله إن محمدًا لصادق، ولكني أحسده الشرف. ووضع ﴿الظالمين﴾ موضع المضمر ؛ للدلالة على أنهم ظلموا لجحودهم، أو جحدوا لتمرنهم على الظلم.
ثم سلاَّه عن ذلك، فقال :﴿ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأُوذوا﴾ أي : صبروا على تكذيبهم وأذاهم، ﴿حتى أتاهم نصرنا﴾، فاصبر كما صبروا حتى يأتيك نصرنا كما أتاهم، وفيه إيماء بوعد النصر للصابرين، ولذلك قيل : الصبر عنوان الظفر. ﴿ولا مبدل لكلمات الله﴾ السابقة بنصر الصابرين، كقوله تعالى :﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ، إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ﴾ [الصافات : ١٧١، ١٧٢]، ﴿ولقد جاءك من نبأ المرسلين﴾ أي : من قصصهم، وما كابدوا من قومهم حتى نصرهم الله فتأنس بهم وانتظر نصرنا.


الصفحة التالية
Icon