يقول الحقّ جلّ جلاله : تخويفًا لهذه الأمة :﴿ولقد أرسلنا إلى أمم﴾ مضت ﴿من قبلك﴾ رسلاً فأنذروهم، فكذبوا وكفروا ﴿فأخذناهم بالبأساء﴾ أي : الشدة، كالقحط والجوع، ﴿والضراء﴾ كالأمراض والموت والفتن، تخويفًا لهم ﴿لعلهم يتضرعون﴾ أي : يتذللون ويتوبون من ذنوبهم، فلم يفعلوا، ﴿فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا﴾ أي : هلاَّ تذللوا حين جاءهم البأس فنرحمهم، وفيه دليل على نفع التضرع حين الشدائد، ﴿ولكن قست قلوبهم﴾ أي : صلُبت ولم تلن، ﴿وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون﴾ ؛ فصرَفهم
٢٥٦
عن الضرع، أي : لا مانع لهم من التضرع إلا قساوة قلوبهم، وإعجابهم بأعمالهم التي زينها الشيطان لهم.
﴿فلما نسوا ما ذكروا به﴾ أي : تركوا الاتعاظ بما ذُكروا به من البأساء والضراء، ولم ينزجروا، ﴿فتحنا عليهم أبواب كل شيء﴾ من أنواع الرزق وضروب النعم، مراوحة عليهم بين نوبَتي الضراء والسراء، وامتحانًا لهم بالشدة والرخاء، إلزامًا للحجة وازاحة للعلة، أو مكرًا بهم، لما روي أنه ﷺ قال :" مُكر بالقوم ورب الكعبة " ﴿حتى إذا فرحوا﴾ أي : أعجبوا ﴿بما أوتوا﴾ من النعم، ولم يزيدوا على البطر والاشتغال بالنعم عن المنعم والقيام بحقه، ﴿أخذناهم بغتة﴾ أي : فجأة ﴿فإذا هم مبسلون﴾ مُتحيرون آيسون من كل خير، ﴿فقطع دابر القوم الذين ظلموا﴾ أي : قطع آخرهم، ولم يبق منهم آحد، وهي عبارة عن الاستئصال بالكلية، ﴿والحمد لله رب العالمين﴾ على إهلاكهم، فإن إهلاك الكفار والعصاة نعِمٌ جليلة، يحق أن يحمد عليها ؛ من حيث إنه خلاص لأهل الأرض من شؤم عقائدهم وأعمالهم. وبالله التوفيق.


الصفحة التالية
Icon