الإشارة : المقصود من إظهار النقم الظاهرة ؛ ما يؤول الأمر إليه من النعم الباطنة، فإن الأشياء كامنة في أضدادها، النعمة في النقمة، والرخاء في الشدة، والعز في الذل، والجمال في الجلال، إن وقع الرجوع إلى الله والانكسار والتذلل. " أنا عندَ المنكسرةِ قلوبُهم مِن أجلي ". فانكسار القلوب إلى علام الغيوب عبادة كبيرة، تُوجب نعمًا غزيرة، فإذا قسَت القلوب ولم يقع لها عند الشدة انكسار ولا رجوع، كان النازل بلاءً ونقمة وطردًا وبُعدًا. فإنَّ ما ينزل بالإنسان من التعرفات منها : ما يكون أدبًا وكفارة، ومنها : زيادة وترقية، ومنها : ما يكون عقوبة وطردًا، فإن صحبها التيقظ والتوبة، كان أدبًا مما تقدم من سوء الأدب، وإن صحبه الرضى والتسليم، ولم يقع ما يوجب الأدب، كان ترقية وزيادة، وإن غضب وسخِط كان طردًا وبُعدًا. أعاذنا الله من موارد النقم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٥٦
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿قل﴾ لهم أيضًا :﴿أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم﴾ أي : أصمَّكم وأعماكم، ﴿وختم على قلوبكم﴾ ؛ بأن غطى عليها بما يزول به عقلكم وفهمُكم، ﴿مَن إله غير الله يأتيكم به﴾ أي : بذلك المأخوذ. ﴿انظر كيف نُصرف الآيات﴾ أي : نُكررها على جهات مختلفة، كتصريف الرياح، تارة من جهة المقدمات العقلية، وتارة من جهة الترغيب والترهيب، وتارة بالتنيبة والتذكير بأحوال المتقدمين،
٢٥٧
﴿ثم هم يصدفون﴾ أي : يعرضون عنها ولم يلتفتوا إليها، و ﴿ثُم﴾ : لاستبعاد الإعراض بعد تصريف الآيات وظهورها.
و ﴿قل﴾ لهم أيضًا :﴿أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة﴾ من غير مقدمة ﴿أو جهرة﴾ بتقديمها، فالبغتة : ما لم يتقدم لهم به شعور، والجهرة : ما قدمت لهم مخايلة، وقيل : بغتة بالليل، وجهرة بالنهار، ﴿هل يُهلك﴾ أي : ما يُهلك به هلاك سخط وتعذيب، ﴿إلا القوم الظالمون﴾ بالكفر والمعاصي.


الصفحة التالية
Icon