الإشارة : إنما خلق الأسماع والأبصار، لسماع الوعظ والتذكار، ولنظرة التفكر والاعتبار، فمن صرفهما في ذلك فقد شكر نعمتهما، ومن صرفهما في غير ذلك فقد كفر نعمتهما، ومن كفر نعمتهما يوشك أن تؤخذ منه تلك النعمة، وكذلك نور العقل، ما جعله الله في العبد إلا ليعرفه به، ويعرف دلائل توحيده، ويتبصرّ به في أمره. فإذا صرفه في تدبير هواه وشهواته فقد كفر نعمته، فيوشك أيضًا أن يؤخذ منه.
وإذا أنعم الله عليه باستعمال هذه الحواس فيما خلقت لأجله ؛ فليكن على حذر من آخذ ذلك منه أيضًا، فلا يأمن مكر الله، فإن الأسماع والأبصار والقلوب بيد الله، يُقلبها كيف شاء، فإن أخذها لن يقدر على ردها، ولذلك كان العارف لا يزول اضطراره، ولا يكون مع غير الله قراره، والعذاب الذي يأتي بغتة، هو السلب بغتة، أي : فقد القلب في مرة واحدة، والذي يأتي جهرة هو فقده شيئًا فشيئًا، وسبب هذا الهلاك : هو ظلم العبد لنفسه، إما بسوء أدب مع الله، أو نقض عهد الشيوخ العارفين بالله. وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٥٧
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿وما نرسل المرسلين إلا مبشرين﴾ للمؤمنين بالنعيم المقيم، ﴿ومنذرين﴾ للكفار بالعذاب الأليم، ولم نرسلهم ليقترح عليهم ويتلهى بهم، ﴿فمن آمن﴾ بهم، ﴿وأصلح﴾ ما يجب إصلاحه على ما شرع لهم، ﴿فلا خوف عليهم﴾ من العذاب، ﴿ولا هم يحزنون﴾ لفوات الثواب، ﴿والذين كفروا وكذبوا بآياتنا يمسهم العذاب﴾ أي : يلحقهم، جعل العذاب ماسًّا لهم كأنه الطالب للوصول إليهم، واستغنى بتعريفه عن توصيفه. وذلك المس ﴿بما كانوا يفسقون﴾ أي : بسبب خروجهم عن التصديق والطاعة.
الإشارة : ما من زمان إلا ويبعث الله أولياء عارفين، مبشرين لم أطاعهم واتبعهم بطلعة أنوار الحضرة على أسرارهم، ومنذرين لمن خالفهم بظهور ظلمة الكون على
٢٥٨


الصفحة التالية
Icon