وقال الورتجبي ـ بعد قوله ـ :﴿ولا أقول لكم إني مالك﴾ : تواضع ﷺ حين أقام نفسه مقام الإنسانية، بعد أن كان أشرف خلق الله من العرش إلى الثرى، وأظهر من الكروبيين والروحانيين على باب الله سبحانه، خضوعًا لجبروته، وخُنوعًا في أنوار ملكوته، بقوله :﴿ولا أقول لكم إني ملك﴾، وليس لي اختيارٌ في نبوتي، ﴿إن اتبع إلا ما يوحى إليّ﴾. هل يكون من هذا وصفه، بعد كونه بصيرًا بنور الله، ورأفته به، كالذي عمي عن رؤية إحاطته بكل ذرة من العرش إلى الثرى ؟ أفلا تتفكرون أن من ولد من العدم بصيرًا بنور القدم، ليس كمن ولد من العدم أعمى عن رؤية عظمته وجلاله. انتهى كلامه.
٢٥٩
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٥٩
قلت : الضمير في ﴿به﴾ : يعود على ﴿ما يوحى﴾ وجملة ﴿ليس﴾ : حال من ضمير ﴿يُحشروا﴾.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿وأنذر﴾ أي : خوِّف بما أوحي إليك، المؤمنين المقصرين في العمل ؛ ﴿الذين يخافون أن يُحشروا إلى ربهم﴾ بالبعث للحساب، حال كونهم في ذلك الوقت ﴿ليس لهم من دونه وليٌّ﴾ ينصرهم من عذابه، ﴿ولا شفيع﴾ يرده عنهم بشفاعته، ﴿لعلهم يتقون﴾ أي : كي يصيروا بإنذارك متقين، وإنما خص الإنذار هنا بالذين يخافون ؛ لأنه تقدم في الكلام ما يقتضى اليأس من إيمان غيرهم، فكأنه يقول : أنذر الخائفين ؛ لأنه ينفعهم الإنذار، وأعرض عمن تقدم ذكرهم من الذين لا يسمعون ولا يعقلون، أو : أنذر من يتوقع البعث والحساب، أو يتردد فيه مؤمنًا أو كافرًا. قاله البيضاوي.
الإشارة : لا ينفع الوعظ والتذكير إلا من سبق له الخوف من الملك القدير ؛ إذ هو الذي ينهضه الخوف المزعج أو الشوق المقلق، وأما من سَوّدت قلبَه الخطايا، وانطبعت في مرآته صور الأشياء، فلا ينفع فيه زاجر ولا واعظ، بل ران على قلبه ما اقترفه من المآثم، والعياذ بالله.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٥٩


الصفحة التالية
Icon