ثم وصفهم بالإخلاص فقال :﴿يريدون وجهه﴾ أي : يدعونه مخلصين طالبين النظر لوجهه، وفيه تنبيه على أن الإخلاص شرط من الأعمال، ورتب النهي عليه ؛ إشعارًا بأنه يقتضي إكرامهم، وينافي إبعادهم، ثم علل عدم طردهم فقال :﴿ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم﴾ أي : أنت لا تحاسب عنهم، وهم لا يحاسبون عنك، فلأي شيء تطردهم ؟ وقيل : الضمير : للكفار، أي : أنت لا تحاسب عنهم، وهم لا يحاسبون عنك، فلا تهتم بأمرهم، حتى تطرد هؤلاء من أجلهم، ﴿فتكون من الظالمين﴾ بطردهم، لكنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ لم يفعل، فلا ظلم يلحقه في ذلك ؛ لسابق العناية والعصمة.
﴿
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٦٠
وكذلك فتنا بعضهم ببعض﴾
أي : ومثل ذلك الاختبار، وهو اختلاف أحوال الناس في أمر الدنيا، ﴿فتنا بعضهم ببعض﴾ أي : ابتلينا بعضهم ببعض في أمر الدين، فقدّمنا هؤلاء الضعفاء على أشراف قريش ؛ بالسبق إلى الإيمان ﴿ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا﴾ أي : أهؤلاء من أنعم الله عليهم بالهداية والتوفيق دوننا، ونحن الأكابر والرؤساء، وهم المساكين والضعفاء، فنحن أحق منهم به إن كان حقًا، وهذا إنكار منهم لأن يخص هؤلاء من بينهم بإصابة الحق والسبق إلى الخير، كقولهم ﴿لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَآ﴾ [الأحقاف : ١١]. واللام في ﴿ليقولوا﴾ : للعاقبة. قال تعالى في الرد عليهم :﴿أليس الله بأعلم بالشاكرين﴾ أي : بمن يقع منهم الإيمان والشكر فيوفقهم، وبمن لا يقع منه فيخذُله. وبالله التوفيق.
٢٦١
الإشاره : في صحبة الفقراء خيرٌ كثير وسرٌ كبير، وخصوصًا أهل الصفاء والوفاء منهم، وفي ذلك يقول الشيخ أبو مدين رضي الله عنه :
مَا لذّةُ العَيشِ إلاّ صُحبَةُ الفُقَرا
هُم السّلاَطين والسَّادَاتُ والأُمَرا
فَاصْحَبْهُمُو وتأدَّب في مَجَالِسِهِم
وخلِّ حظَّكَ مَهمَا خلَّفُوكَ ورَا
إلى آخر كلامه.


الصفحة التالية
Icon