فلا يحصل كمال التربية والتهذيب إلا بصحبتهم، ولا تصفوا المعاني إلا بمجالستهم والمذاكرة معهم، والمراد من دخل منهم بلاد المعاني، وحصَّل مقام الفناء في الذات، فالجلوس مع هؤلاء ساعة تعدل عبادة الثقلين سِنين، ومن شأن شيوخ التربية : العطف على الفقراء والمساكين وتقريبهم، ولا يطردون أحدًا منهم ولو عمل ما عمل، اقتداء بما أمر به نبيهم صلى الله عليه وسلم. بل شأنهم الإقبال على من أقبل إليهم، عصاة كانوا أو طائعين وإقبالهم على العصاة المذنبين أكثر، جبرًا لكسرهم، وتألفًا لهم، وسوقًا لهم إلى الله بملاطفة الإحسان. وبالله التوفيق.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٦٠
قلت : من فتح ﴿أنه﴾، جعله بدلاً من الرحمة، ومن كسره ؛ فعلى الاستئناف، و ﴿بجهالة﴾ : حال، ومن قرأ ﴿فإنه﴾ بالكسر ؛ بالجملة : جواب الشرط، ومن فتح ؛ فخبر عن مضمر، أي : فجزاؤه الغفران، أو مبتدأ ؛ فالغفران جزاؤه.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا﴾ ؛ وهم الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي، خصهم بالإيمان بالقرآن، بعد ما وصفهم بالمواظبة على الطاعة والإحسان، فإذا أقبلوا إليك ﴿فقل﴾ لهم :﴿سلام عليكم﴾ ؛ تحية مني عليكم، أو من الله أبلغه إليكم، ﴿كَتب ربكم على نفسه الرحمة﴾ أي : حتمها عليه فضلاً منه، وهي ﴿أنه من عمل منكم سوءًا﴾ أي : ذنبًا ﴿بجهالة﴾ أي : بسفاهة وقلة أدب، أو جاهلاً بحقيقة ما يتبعه من المضار والمفاسد، ﴿ثم تاب من بعده﴾ أي : من بعد عمل السوء ﴿وأصلح﴾ بالتدارك والندم على إلا يعود إليه، ﴿فأنه غفور﴾ لذنبه، ﴿رحيم﴾ به بقبول توبته.
قال البيضاوي : أمرَه أن يبدأ بالتسليم، أو يُبلغ سلام الله ويبشرهم بسعة رحمته وفضله، بعد النهي عن طردهم ؛ إيذانًا بأنهم الجامعون لفضيلَتَي العلم والعمل، ومن كان
٢٦٢


الصفحة التالية
Icon