﴿قل إني على بيّنة﴾ أي : طريق واضحة ﴿من ربي﴾ تُوصلني إلى تحقيق معرفته، واستجلاب رضوانه، أنا ومن اتبعني، ﴿و﴾ أنتم ﴿كذبتم به﴾ أي : بربي ؛ حيث أشركتم به وعبدتم غيره، أو كذبتم بطريقه ؛ حيث أعرضتم عنها، واستعجلتم عقابه في الدنيا، ﴿ما عندي ما تستعجلون به﴾ من العذاب أو المعجزات، ﴿إن الحكم إلا لله﴾ في تعجيل العذاب وتأخيره، أو في إظهار الآيات وعدم إظهارها، ﴿يقَصُّ﴾ القصص ﴿الحق﴾ وهو القرآن، أي : ينزله عليّ لأنذركم به، أو يقضي القضاء الحق من تعجيل ما يعجل وتأخير ما يؤخر، فيحكم بيني وبينكم إن شاء، ﴿وهو خير الفاصلين﴾ أي : القاضين.
﴿قل لو أن عندي﴾ أي : في قدرتي وطوقي ﴿ما تستعجلون به﴾ من العذاب ﴿لقُضي الأمر بيني وبينكم﴾ أي : لأهلكتكم عاجلاً ؛ غضبًا لربي، وانقطع ما بيني وبينكم، ولكن الأمر بيد خالقكم الذي هو عالم بأحوالكم، ﴿والله أعلم بالظالمين﴾ أي : عالم بما ينبغي أن يؤخذ عاجلاً، وبمن ينبغي أن يمهل، فمفاتح الغيب كلها عنده، كما سيذكره.
الإشارة : قل، أيها العارف، المتوجه إلى الله، المنقطع كليته إلى مولاه، الغائب عن كل ما سواه : إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله ؛ من حب الدنيا، ومن الرياسة والجاه. قل : لا أتبع أهواءكم ؛ لأني قد اجتمعت أهوائي في محبوب واحد، حين وصلت إلى حضرته، وتنعمت بشهود طلعته، فانحصرت محبتي في محبوب واحد، وفي
٢٦٤
ذلك يقول القائل :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٦٤
كَانَت لِقَلبيَ أهوَاءٌ مُفَرَّقَةٌ
فَاستَجمَعَت مُذ رأتكَ العَينُ أهوائِي
فَصَارَ يَحسُدُنِي مَن كُنتُ أحسُدُهُ
وَصِرتُ مَولَى الوَرَى مُذ صِرت مَولائِي
تَرَكتُ لِلنَّاسِ دنياهم ودِينَهُم
شُغلاً بِذِكرك يَا دِينِي ودُنيَائِي
وقال آخر :
تَركتُ للنَّاسِ، ما تَهوَى نُفوسُهم
مِن حُبِّ دُنيا ومن عزِّ ومن جَاهِ
كذَاكَ تَركُ المقَامَات هُذَا وَهُنَا
والقَصدُ غَيبَتُنَا عَمَّا سِوَى اللهِ


الصفحة التالية
Icon