﴿قل إني على بينة من ربي﴾ أي : بصيرة نافذة في مشاهدة أسرار ربي، فقد كذَّبتم بخصوصيتي، وطلبتم دلائل ولايتي، ما عندي ما تستعجلون به من الكرامات، ﴿إن الحكم إلا لله﴾، يقضي القضاء الحق، فيُظهر ما يشاء، ويُخفي مَن يشاء، ﴿وهو خير الفاصلين﴾ أي : الحاكمين بين عبادة، قل لو أن عندي ما تستعجلون به ؛ من نفوذ دعوتي في إظهار كرامتي، لقٌضي الأمر بيني وبينكم، والله أعلم بالمكذبين بأوليائه.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٦٤
قلت :﴿مفَاتِح﴾ : جمعِ مفتح ـ بكسر الميم ـ مقصور، من مفتاح، وهو آلة الفتح، وهو مستعار لما يتوصل به إلى الغيوب، أو يفتحها، وهو المخزن.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿وعنده مفاتح الغيب﴾ أي : علم المغيبات، لا يعلمها غيره، إلا من ارتضى من خلقه، أو : عنده خزائن علم الغيوب لا يعلمها غيره، والمراد بها الخمسة التي ذكرها الحق تعالى في سورة لقمان :﴿إِنَّ اللهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ﴾ [لقمَان : ٣٤] الآية ؛ لأنها تعم جميع الأشياء، وسيأتي الكلام عليها إن شاء الله، فقد اختص سبحانه بعلم المغيبات ﴿لا يعلمها إلا هو﴾ ؛ فيعلم أوقاتها وما في تعجيلها وتأخيرها من الحِكَم، فيظهرها على ما اقتضته حكمته وتعلقت به مشيئته، وفيه دليل على أن الله تعالى يعلم الأشياء قبل وقوعها، وهو أمر ضروري.
﴿ويعلم ما في البر والبحر﴾ من عجائب المصنوعات وضروب المخلوقات ؛ على اختلاف أجناسها وأنواعها، حيها وجامدها، فيعلم عددها وصفتها وأماكنها، ﴿وما تسقط من ورقة إلا يعلمها﴾ كيف تسقط، على ظهرها أو بطنها، وما يصل منها إلى الأرض وما يتعلق في الهواء، وهو مبالغة في إحاطة علمه بالجزئيات، كما تعلق بالكليات، {ولا حبة
٢٦٥


الصفحة التالية
Icon