في ظلمات الأرض} من حبوب الثمار وبذور سائر النبات، والرمل، وغير ذلك من دقائق الأشياء وجلائلها، ﴿ولا رطب ولا يابس﴾ من الأشجار والنبات والحيوانات التي فيها الحياة والتي فارقتها، فهي من جنس اليابس، ﴿إلا في كتاب مبين﴾ أي : علم الله القديم، أو اللوح المحفوظ، فعلى الأول، يكون بدلاً من الاستثناء الأول، بدل الكل من الكل، وعلى الثاني : بدل اشتمال. وقرئت بالرفع، على العطف على محل :﴿من ورقة﴾، أو على الابتداء، والخبر :﴿في كتاب مبين﴾.
الإشارة : مفاتح الغيب هي أسرار الذات وأنوار الصفات، أو أنوار الملكوت وأسرار الجبروت، لا يعلمها إلا هو، فما دام العبد محجوبًا بوجود نفسه، محصورًا في هيكل ذاته، لا يذوق شيئًا من هذه الغيوب، فإذا أراد الحق جل جلاله أن يفتح على عبده شيئًا من هذه الغيوب، غطى وصف عبده بوصفه، ونعته بنعته، فغيَّبه عن وجود نفسه، فصار هو سمعه وبصره وقلبه وروحه، فيعلم تلك الأسرار به، لا بنفسه، فما علم تلك الأسرار غيره، ويحيط بأسرار الأشياء كلها، برها وبحرها ؛ لأنه يصير خليفة الله في أرضه. وقال الورتجبي : غَيبُه ذاته القدسية، وهي خزانة أسرار الأزل والأباد، ومفاتحها : صفاتها الأزلية، لا يعلم صفاته وذاته بالحقيقة إلا هو تعالى بنفسه، فَنَفى الغير عن البين، حيث لا حيث ولا بين. انظر تمامه فيه.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٦٥
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿وهو الذي يتوفاكم﴾ أي : يقبض أرواحكم ﴿بالليل﴾ إذ نمتم، وفي ذلك اعتبار واستدلال على البعث الأخروي، ﴿ويعلم ما جَرَحتم﴾ أي : ما كسبتم من الأعمال ﴿بالنهار﴾، وخص الليل بالنوم والنهار بالكسب جريًا على المعتاد، ﴿ثم إذا﴾ توفاكم بالليل ﴿يبعثكم فيه﴾ أي : في النهار، ﴿ليُقضى أجل مُسمى﴾ أي : ليبلغ المتيقظ آخر أجله المسمى له في الدنيا، وهو أجل الموت، ﴿ثم إليه مرجعكم﴾ بالموت ﴿ثم يُنبئُكم بما كنتم تعملون﴾ فيعاتب المسيء ويكرم المحسن.


الصفحة التالية
Icon