ومن علم أن الله قاهر فوق عباده، انسلخ من حوله وقوته، وانعزل عن تدبيره واختياره ؛ لإحاطة القهرية به، ومن تحقق عموم قهاريته تعالى، علم أنه لا حجاب حسي بينه وبينه، إذ لو حجبه شيء لستره ما حجبه، ولو كان له ساتر لكان لوجوده حاصر، وكل حاصر لشيء فهو له قاهر، ( وهو القاهر فوق عباده)، وإنما المحجوب : العبد عن ربه بوجود وهمه وجهله، ومن تحقق أن الملائكة تحفظ أعماله استحيا من ارتكاب القبائح، لئلا تعرض على رؤوس الأشهاد.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٦٦
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿قل من ينجيكم﴾ أي : يُخلصكم ﴿من ظلمات البر والبحر﴾ أي : من شدائدهما، استعير الظلمة للشدة، لمشاركتهما في الهول، فقيل لليوم
٢٦٧
الشديد : يوم مظلم، أو : من الخسف في البر والغرق في البحر، حال كونكم ﴿تدعونه تضرعًا وخُفية﴾ أي : جهرًا وسرًا، قائلين :﴿لئن أنجيتنا من هذه﴾ الظلمة، أي : الشدة، ﴿لنكونن من الشاكرين﴾ بإقرارنا بوحدانيتك، ﴿قل الله يُنجيكم منها ومن كل كرب﴾ أي : غم سواها، ﴿ثم أنتم تُشركون﴾ أي : تعودون إلى الشرك ولا تُوفون بالعهد، وهذا شأن النفس اللئيمة ؛ في وقت الشدة ترجع إلى الحق وتوحده، وفي وقت السعة تنساه وتشرك معه، كما قال تعالى :﴿وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْاْ رَبَّهُم مًّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَآ أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ﴾ [الرُّوم : ٣٣].


الصفحة التالية
Icon