الإشارة : قد تقدم مرارًا التحذير من مخالطة أهل الخوض وصحبة العوام، وكل من ليس من جنس أهل النسبة، فإن ألجأه الحال إلى صحبتهم ـ فليُذكرهم، ويعظهم، ويُنهضهم إلى الله بمقاله أو حاله ما استطاع. وبالله التوفيق.
ثم أمر نبيه ـ عليه الصلاة والسلام ـ بالتذكير، فقال :
﴿... وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَآ أُوْلَـائِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ﴾
قلت :﴿تُبسل﴾ : تُحبس وتُسلم للهلكة، وفي البخاري :" تُسبلَ : تُفضح، أُبلسوا : فُضِحُوا وأُسلموا ". يقول الحقّ جلّ جلاله : لنبيه ـ عليه الصلاة والسلام ـ :﴿وذكِّر﴾ بالقرآن الناس ؛ مخافة ﴿أن تُسبل نفس بما كسبت﴾ أي : لئلا تُحبس كل نفس وتُرتهن بما كسبت أو تُسلم للهلكة، أو لئلا تفضح على رؤوس الأشهاد بما كسبت، ﴿ليس لها من دون الله وليّ ولا شفيع﴾ يدفع عنها العذاب، ﴿وإن تَعدل كل عَدلٍ﴾ أي : وإن تفد كل فداء ﴿لا يُؤخذ منها﴾ أي : لا يُقبل منها.
﴿أولئك الذين أُبسلوا بما كسبوا﴾ أي : أُسلموا للعذاب بسبب أعمالهم القبيحة وعقائدهم الزائغة، أو افتضحوا بما كسبوا ﴿لهم شراب من حميم﴾ وهو الماء الحار،
٢٧٠
﴿وعذاب أليم بما كانوا يكفرون﴾، والمعنى : هم بين ماء مغَلى يتَجَرجر في بطونهم، ونار تُشعل بأبدانهم بسبب كفرهم، والعياذ بالله.
الإشارة : لا ينبغي للشيخ أو الواعظ أن يمل من التذكير، ولو رأى من أصحابه غاية الصفاء، ولا ينبغي للمريد أن يمل من التصفية والتشمير، ولو بلغ من تصفية نفسه ما بلغ، أو أَظهرت له من الاستقامة ما أظهرت، قال تعالى :﴿وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها﴾.


الصفحة التالية
Icon