يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿و﴾ أذكر ﴿إذ قال إبراهيم لأبيه آزر﴾، حين دعاه إلى التوحيد :﴿أتتخذ أصنامًا آلهة﴾ تعبدها من دون الله، وهي لا تنفع ولا تضر، ﴿إني أراك وقومك في ظلال مبين﴾ : بيِّن الضلالة، ظاهر الخطأ.
الإشارة : كل من سكن إلى شيء دون الله، أو مال إليه بالعشق والمحبة، فهو صنم في حقه، فإن لم ينزع عن محبته، ولم يقلع عن السكون إليه، كان حجابًا بينه وبين شهود أسرار التوحيد. وفي الحِكَم :" ما أحببت شيئًا إلا وكنت عبدًا له، وهو لا يحب أن تكون لغيره عبدًا ". وفي الحديث :" تَعِس عبدُ الدينار والدرهم ".. أي : خاب وخسر،
٢٧٣
فإذا اطلع الحق تعالى على قلب عبده فرآه مائلاً لغيره، حجب عنه أنوار قدسه، وفي ذلك يقول الششتري رضي الله عنه :
لِي حَبِيبٌ إنما هو غَيُور،
يُطلُّ في القَلبِ كَطَيرٍ حَذُور،
إذا رأى شَيئًا امتَنَع أن يَزُور
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٧٣
قلت : المُلك : ما ظهر في عالم الشهادة من المحسوسات، والملكوت : ما غاب فيها من معاني أسرار الربوبية، والجبروت : ما لم يدخل عالم التكوين من أسرار المعاني الأزلية.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿وكذلك﴾ أي : مثل ذلك التبصر الذي بَصَّرنا به إبراهيم حتى اهتدى للرد على أبيه، نُريه ﴿ملكوت السماوات والأرض﴾ أي : نكشف له عن أسرار التوحيد فيهما، حتى يشاهد فيهما صانعهما، ولا يقف مع ظاهر حسهما، وإنما فعلنا له ذلك ﴿ليكون من الموقنين﴾ بمعرفتنا، عارفًا بأسرار قدسنا.


الصفحة التالية
Icon