ولما كان أبوه وقومه يعبدون الأصنام والكواكب والقمر والشمس، أراد أن يرشدهم إلى التوحيد من طريق النظر والاستدلال ؛ ﴿فلما جن عليه الليل﴾ أي : ستره بظلامه، ﴿رأى كوكبًا﴾ وهو الزهرة أو المشتري، ﴿قال هذا ربي﴾ على سبيل التنزل إلى قول الخصم، وإن كان فاسدًا ؛ فإن المستدل على فساد قول يحكيه على ما يقوله الخصم، ثم يَكرّ عليه بالفساد ؛ لأن ذلك أدعى إلى الحق، وأقرب إلى رجوع الخصم، ﴿فلما أفل﴾ أي : غاب، ﴿قال لا أحب الآفلين﴾ ؛ فضلاً عن عبادتهم ؛ فإن التغير بالاستتار والانتقال يقتضي الإمكان والحدوث وينافي الألوهية.
﴿فلما رأى القمر بازغًا﴾ : متبدئًا في الطلوع، ﴿قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الظالمين﴾. استعجزَ نفسه واستعان ربه في دَرك الحق، وأنه لا يهتدي إليه إلا بتوفيقه ؛ إرشادًا لقومه. وتنبيهًا لهم على أن القمر أيضًا ؛ لتغيُّر حاله، لا يَصلح للألوهية، وأن من اتخذه إلهًا، فهو ضالٌّ.
٢٧٤
﴿فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي﴾، إنما ذكَّر الإشارة لتذكير الخبر، وصيانةً للرب عن شبهة التأنيث ﴿هذا أكبر﴾ لكبر النور وسطوعه أكثر، ﴿فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون﴾ من الأجرام المحدثة المحسوسة، المحتاجة إلى محدث يحدثها، ومخصص يخصصها.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٧٤


الصفحة التالية
Icon