الإشارة : مخاصمة العموم لأهل الخصوصية سُنَّة ماضية ؛ ﴿وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً﴾ [الأحزاب : ٦٢] ؛ لأنَّ من أنكر شيئًا عاداه، فأهل الخصوصية يَعذرون من أنكر عليهم ؛ لأن ذلك مبلغهم من العلم، والعامة لا يعذرون أهل الخصوصية ؛ لخروجهم عن بلادهم ؛ فلا يعرفون ما هم فيه. والله تعالى أعلم.
ولما خاصموا إبراهيم عليه السلام فلم يلتفت إليهم، خوفوه بأصنامهم، فقال لهم :
﴿... وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَآءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ وَكَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوااْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـائِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ﴾
قلت : الاستثناء في قوله :﴿إلا أن يشاء﴾ : منقطع. قاله ابن جزي. وظاهر كلام البيضاوي : أنه متصل، وهو المتبادر، أي : ولا أخاف ما تشركون في حال من الأحوال
٢٧٦
إلا أن يشاء ربي أن يصيبني بمكروه من جهتها ؛ استدراجًا لكم، وفتنة. وقال الواحدي : لا أخاف إلا مشيئة ربي أن يعذبني.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٧٦
يقول الحقّ جلّ جلاله : حاكيًا عن خليله إبراهيم :﴿ولا أخاف ما تُشركون به﴾ أي : لا أخاف معبوداتكم أن تصيبني بشيء ؛ لأنها جوامد لا تضر ولا تنفع، ﴿إلا أن يشاء ربي شيئًا﴾ يصيبني بقدَره وقضائه، فإنه يصيبني لا محالة، لا بسببها، ﴿وَسِعَ ربي كل شيء علمًا﴾، كأنه علَّة الاستثناء، أي : لا أخاف إلا ما سبق في مشيئة الله، لأنه أحاط بكل شيء علمًا، فلا يبعد أن يكون في علمه وقدره أن يحيق بي مكروه من جهتها، ﴿أفلا تتذكرون﴾ فتُمَيزوا بين الصحيح والفاسد، والقادر والعاجز ؟.


الصفحة التالية
Icon