فظاهر كلامه، أن المتحقق بمقام الفناء والبقاء، يحصل له الأمن من الشقاء، وكذلك قال أبو المواهب : من رجع إلى البقاء أمِنَ من الشقاء. وقال في نوادر الأصول : مَن حَظُّه من أهل التقريب : الجلال والجمال، وقد أقيم في الهيبة والأنس، قد غاب عن خوف العقوبة، ولكنه يخاف التحويل والهُوِي والسقوط، لِما رُكب في نفوس بني آدم من الشهوات، فهن أبدًا يُهوِين بصاحبهن عن الله إلى الإخلاد والبُطء، وإنما يسكن خوف التحول إذا خلَص إلى الفردانية وتعلَّق بالوحدانية ؛ لتلاشِي الهوى منه والشهوة ؛ بكشف الغطاء، ولا يذهب خوف ذلك بالكُلِّية عنه، وإن سكن ؛ لبقاء خيال ذلك في حق غير الأنبياء. وأما هُم فلم يبقَ لهم ظِلُّ الهوى، فبُشِّروا بالنجاة ؛ فلَم تَغُرهم البُشرى ؛ لأنهم لم يبق لهم نفوس، فتستبدّ وتجور إذا أمِنَت السقوط، ومَن بعَدَهم بَقِي لهم في نفوسهم شيء فمُنعوا البشرى، وأُبهم عليهم الأمر ؛ صنعًا بهم ؛ ونظرًا لهم، لتكون نفوسهم منقمعة بخوف الزوال. هـ. هذا هو الأصل فافهمه. هـ.
وحاصل كلامه : أن غير الأنبياء لا ينقطع عنه خوفُ التحويل، بل يسكن خوفه فقط، ولا يُبَشِّر بالأمن إلا الأنبياء، وهو الصواب، لبقاء قهر الربوبية فوق ضعف العبودية، قال تعالى :﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ [الأنعَام : ١٨]. والله تعالى أعلم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٧٦
٢٧٨
قلت :﴿على قومه﴾ : متعلق بحجتنا، إن جُعل خبرًا عن ﴿تلك﴾، وبمحذوف، إن جعل بدلَه، أي : وتلك الحجة آتيناها إبراهيم حُجة على قومه. ومن قرأ :﴿درجات﴾ : بالتنوين ؛ فَمن نشاء : مفعول، و ﴿درجات﴾ : تمييز.


الصفحة التالية
Icon