جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٧٩
قال الورتجبي : أمَر حبيبَه ـ عليه الصلاة والسلام ـ بالاقتداء بالأنبياء والرسل قبلَه في آداب الشريعة، لأن هناك منازلَ الوسائط، فإذا أوصله بالكُلِّية إليه، وكَحّل عيون أسراره بكُحل الربوبية، جعَله مستقلاً بذاته مستقيمًا بحاله، وخرج عن حَدِّ الإرادة إلى حد المعرفة والاستقامة، وأمره بإسقاط الوسائط، حتى قال :" لَو كَانَ مُوسَى حَيًا ما وَسِعَهُ إلاَّ اتّبِاعي "، وغير ذلك. هـ. وقال الشاذلي رضي الله عنه : أمَره بالاقتداء بهم فيما شاركوه فيه، وإن انفرد عنهم بما خُصَّ به. هـ.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٧٩
يقول الحقّ جلَ جلاله : في الرد على اليهود :﴿وما قدروا الله حق قدره﴾ أي : ما عَرفُوه حق معرفته في الرحمة والإنعام على العباد بالوحي وغيره، إذ لو عرفوه لَهابُوا أن يُنكروا بعثة الرسل، أو ما جَسَرُوا على هذه المقالة، أو ما عظموه حق تعظيمه. حيث كذَّبوا رسله وأنكروا أن يكون أنزل عليهم كتابًا، إذ لو عظِّموه حق تعظيمه لصدَّقوا الرسول الوارد عنه، وهو معنى قوله :﴿إذ قالوا ما أنزل الله على بَشَرٍ من شيء﴾،
٢٨١
والقائلون هم اليهود، كفنحاص ومالك بن الصيف وغيرهما، قالوا ذلك مبالغة في إنكار إنزال القرآن ونبوة محمد ﷺ، فردَّ الله عليهم بما لا بدَّ لهم من الإقرار به وهو إنزال التوراة على موسى ؛ فقال :﴿قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورًا وهُدًى للناس﴾، فالنور للبواطن، والهداية للظواهر، ﴿تجعلونه﴾ أي : التوارة، ﴿قراطيسَ﴾ أي : تُجَزِّؤُونه أجزاء متفرقة، ما وافقَ أهواءكم أظهرتموه وكتبتموه في ورقات متفرقة، وما خالف أهواءكم كتمتموه وأخفيتموه.


الصفحة التالية
Icon