﴿ولو ترى إذ الظالمون﴾ من اليهود والكذابين والمستهزئين، حين يكونون ﴿في غمرات الموت﴾ : شدائده ﴿والملائكة باسطو أيديهم﴾ لقبض أرواحهم، أو بالضرب لوجوههم وأدبارهم، قائلين لهم :﴿أخرجوا أنفسكم﴾ من أجسادكم ؛ تغليظًا عليهم، ﴿اليوم﴾ وما بعده ﴿تُجزون عذاب الهون﴾ أي : الهوان، يريد العذاب المتضمن للشدة والهوان، وإضافته للهوان لتمكنه فيه. وذلك العذاب ﴿بما كنتم تقولون على الله غير الحق﴾، كادعاء النبوة كذبًا، وادعاء الولد والشريك لله، ﴿وكنتم عن آياته تستكبرون﴾ فلا تستمعون لها، ولا تؤمنون بها، فلو أبصرت حالهم ذلك الوقت لرأيت أمرًا فظيعًا وهولاً شنيعًا.
يقول الحق سبحانه لهم :﴿ولقد جئتمونا﴾ للحساب والجزاء، ﴿فُرادى﴾. متفرَّدين عن الأعوان والأوثان، أو عن الأموال والأولاد، وهذا أولى بقوله :﴿كما خلقناكم أول مرة﴾ أي : على الهيئة التي وُلدتم عليها من الانفراد والتجريد حفُاة عُراة غُرلاً ﴿وتركتم ما خولناكم﴾ أي : تفضَّلنا به عليكم من الدنيا فشُغلتم به عن الآخرة، ﴿وراء ظهوركم﴾، فلم تقدموا منه شيئًا، ولم تحملوا معكم منه نقيرًا، ﴿وما نرى معكم شفعاءكم﴾ أي : أصنامكم ﴿الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء﴾ أي : أنهم شركاء مع الله في ربوبيتكم واستحقاق عبادتكم، ﴿لقد تقطَّع بينكم﴾ أي : تفرَّق وصلُكم وتشتت شملكم، ﴿وضَلَّ﴾ أي : غاب ﴿عنكم ما كنتم تزعمون﴾ أنهم شفعاؤكم، أو لا بعث ولا حساب الظهور كذبكم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٨٣
الإشارة : كل من ادعى حالاً أو مقامًا، يعلم من نفسه أنه لم يُدركه ولم يتحقق به، فالآية تَجُرُّ ذيلَها عليه. وفي قوله :﴿ولقد جِئتُمُونَا فرادى...﴾ الخ، إشارة إلى أن
٢٨٤
الدخول على الله والوصول إلى حضرته، لا يكون إلا بعد قطع الطلاق والعوائق والشواغل كلها، وتحقيق التجريد ظاهرًا وباطنًا ؛ إذًا لا تتحقق الفردانية إلا بهذا.


الصفحة التالية
Icon