يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها﴾ أي : ببعضها ﴿في ظلمات البر والبحر﴾ أي : في ظلمات الليل في البر والبحر، وأضاف الظلمات إليهما ؛ لملابستها بهما، أول في مشتبهات الطرق في البر والبحر، وسماها ظلمات على الاستعارة، ﴿قد فصلنا الآيات﴾ ؛ بيناها ﴿لقوم يعلمون﴾ فإنهم المنتفعون بها.
الإشارة : جعل الحق ـ جل جلاله ـ نجوم العلم يهتدي السائرون بها في مشكلات أمور الشريعة وأمور الحقيقة، فلبر الشريعة علم يسير به أهلُه إلى جنته ورضوانه، ولبحر الحقيقة علم يسير به أهلها الطالبون لها إلى معرفة ذاته وصفاته، وشهودها في حال جلاله وجماله، ولله در المجذوب رضي الله عنه، حيث قال :
العلم مرايا من هند، والجهل صندوق راشي
من لا قرايش يعرف الله ما هو مبني على شي
٢٨٦
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٨٦
قلت : من قرأ (مستقر) بفتح القاف، فمصدر، أو اسم مكان ومن قرأه بالكسر، فاسم فاعل، وعلى كل ـ هو مبتدأ، حذف خبره ؛ الجار والمجرور، أي : لكم مستقر.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة﴾ آدم عليه السلام ﴿فمستقر ومستودع﴾ أي : فلكم استقرار في الأصلاب أو فوق الأرض، واستيداع في الأرحام أو تحت الأرض، أو موضع استقرار واستيداع فيهما، أو : فمنكم مُستَقِّر في الأصلاب أو في الأرض، أي : قارٌّ فيهما، ومنكم مستودَع في الأرحام أو تحت الأرض.
وقيل : الاستقرار : في الأرحام، والاستيداع : في الصلب، بدليل قوله :﴿وَنُقِرُّ في الأَرْحَامِ مَا نَشَآءُ﴾ [الحَجّ : ٥].
﴿قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون﴾ أي : يفهمون دقائق أسرار القدرة، ذكر مع النجوم، ﴿يعلمون﴾ ؛ لأن أمرها ظاهر، وذكر مع تخليق بني آدم ؛ ﴿يفقهون﴾ ؛ لأن إنشاءهم من نفس واحدة، وتصريفهم على أحوال مختلفة، دقيق يحتاج إلى زيادة تفهم وتدقيق نظر.