﴿و﴾ أخرجنا أيضًا بذلك الماء، ﴿جناتٍ﴾ أي : بساتين، ﴿من أعناب﴾ مختلفة الألوان والأصناف ﴿و﴾ أخرجنا به ﴿الزيتونَ والرمانَ﴾ على اختلاف أصنافها، ﴿مُشتبِهًا وغير مُتشَابه﴾ أي : من النبات والثمار ما يُشبه بعضه بعضًا، في اللون والطعم والصورة، ومنه ما لا يُشبه بعضُه بعضًا، وفي ذلك دليل قاطع على الصانع المختار القدير العليم المريد، ولذلك أمر بالنظر والاعتبار فقال :﴿انظروا إلى ثمره﴾ أي : انظروا إلى ثمرة كل واحد من ذلك ﴿إذا أثمر﴾، ﴿و﴾ انظروا إلى ﴿يَنعِه﴾ ؛ إذا ينع، أي : طاب ونضج، والمعنى : انظروا إلى ثمره أول ما يخرج ضعيفًا لا منفعة، فيه، ثم ينتقل من طَور إلى طور، حتى يينع ويطيب.
﴿
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٨٧
إنَّ في ذلكم لآياتٍ﴾
دالة على وجود الحكيم ووحدانيته، فإن حدوث الأجناس المختلفة والأنواع المتفننة، ونقلها من حال إلى حال، لا يكون إلا بإحداث قادر، يعلم تفاصيلها، ويُرجَّح ما تقتضيه حكمته مما يمكن من أحوالها، ولا يعوقه عن فعله ند يعارضه، أو ضد يعانده، ولذلك عقبه بتوبيخ من أشرك فقال :﴿وجعلوا لله شركاء...﴾ الخ. قاله البيضاوي.
الإشارة : مَن كحَّل عينه بإثمد التوحيد، غرق الكائنات كلها في بحر التوحيد والتفريد، فكل ما يبرز لنا من المظاهر والمطالع ففيه نور من جمال الحضرة ساطع، ولذلك قال ابن الفارض رضي الله عنه :
عَينِي لِغَيرِ جَمَالِكُمُ لا تَنظرُ
وَسِوَاكُمُ فِي خَطِرِي لا يَخطُرُ
٢٨٨
وقال الششتري رضي الله عنه :
انظُر جَمالِي شاهدًا
في كلِّ إنسان
كالماءِ يَجرِي نافِذًا
في أُس الإغصان
يُسقَى بِماءٍ واحِد
والزَّهرُ ألوان
وقال صاحبُ العَينية :
تَجلَّى حَبِيِبي فِي مَرَائِي جَمَالِهِ
فَفي كُلِّ مَرئًى لِلحبِيبِ طَلاَئِعُ
فَلَمّا تَبَدى حُسنُهُ مُتَنَوّعًا
تَسَمَّى بأسمَاءٍ فَهُون مَطَالِعُ


الصفحة التالية
Icon