فما برز في عالم الشهادة هو من عالم الغيب على التحقيق، فرياض الملكوت فائضة من بحر الجبروت، (كان الله ولا شيء معه، وهو الآن على ما عليه كان)، ولا يعرف هذا ذوقًا إلا أهل العيان، الذين وحدوا الله في وجوده، وتخلصوا من الشرك جليه وخفيه.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٨٧
قلت :﴿الجن﴾ : مفعول أول لجعلوا، و ﴿شركاء﴾ : مفعول ثانٍ، وقدّم لاستعظام الإشراك، أو ﴿شركاء﴾ : مفعول أول، و ﴿لله﴾ : في موضع المفعول الثاني، و ﴿الجن﴾ : بدل من شركاء، وجملة ﴿خلقهم﴾ : حال، و ﴿بديع﴾ : خبر عن مضمر، أو متبدأ وجملة ﴿أنَّى﴾ : خبره، وهو من إضافة الصفة إلى مفعولها أي : مبدع السماوات، أو إلى فاعلها : أي : بديع سماواته، من بَدُعَ ؛ إذا كان على نمط عجيب، وشكل فائق، وحُسن لائق.
يقول الحقّ جلّ جلاله : توبيخًا للمشركين :﴿وجعلوا لله شركاء﴾ في عبادته، وهم ﴿الجن﴾ أي : الملائكة ؛ لاجتنانهم أي : استتارهم، فعبدوهم واعتقدوا أنهم بنات الله،
٢٨٩
أو الجن حقيقة، وهم الشياطين ؛ لأنهم أطاعوهم كما يُطاع الله تعالى، أو : عبدوا الأوثان بتسويلهم وتحريضهم، فقد أشركوا مع الله، و ﴿و﴾ الحال أن الله قد ﴿خلقهم﴾ أي : الجن أي : عبدوهم وهم مخلوقون، أو الضمير للمشركين، أي : عبدوا الجن، وقد عَلِمُوا أن الله قد خلقهم دون الجن لعجزه، وليس من يَخلُق كمَن لا يَخلُق.
﴿وخرقوا له﴾ أي : اختلفوا وافترَوا، أو زوَّرُوا برأيهم الفاسد له ﴿بنين﴾ كالنصارى في المسيح، واليهود في عُزَير، ﴿وبنات﴾ كقول العرب في الملائكة : إنهم بنات الله ـ تعالى الله عن قولهم ـ قالوا ذلك ﴿بغير علم﴾ أي : بلا دليل ولا حجة، بل مجرد افتراء وكذب، ﴿سبحانه وتعالى﴾ أي : تنزيهًا له، وتعاظم قدره ﴿عما يصفون﴾ من أن له ولدًا أو شريكًا.