ذلكم} المنعوت بما ذكر من جلائل الصفات، هو ﴿الله﴾ المستحق للعبادة خاصة، ﴿ربُكم﴾ أي ؛ مالك أمركم لا شريك له أصلاً، ﴿خالقُ كل شيء﴾، مما كان وسيكون، ولا تكرار مع ما قبله ؛ لأن المعتبر فيما تقدم خالقيته لِمَا كان فقط، كما تقتضيه صيغة الماضي، بخلاف الوصف يصلح للجميع، وإذا تقرر أنه خالق كل شيء ﴿فاعبدوه﴾ ؛ فإن من كان خالقًا لكل شيء، جامعًا لهذه الصفات، هو المستحق للعبادة وحده، ﴿وهو على كل شيء وكيل﴾ أي : هو متولي أمور جميع عباده ومخلوقاته، التي أنتم من جملتها، فَكِلُوا أمركم إليه، وتوسلوا بعبادته إلى جميع مآربكم الدنيوية والأخروية، فإنه يكفيكم أمرها بقدرته وحفظه. الإشارة : كل من خضع لمخلوق في نيل حظ دنيوي، إنسيًا أو جنيًا، أو أطاعه في معصية الخالق، فهو مشرك به مع ربه، ﴿وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا﴾ [النساء : ١١٦]، فلذلك عمل الصوفية على مجاهدة نفوسهم في مخالفة الهوى ؛ لئلا تميل بهم إلى شيء من السِّوى، وتحرروا من رق الطمع، وتوجهوا بمهمتهم إلى الحق وحده، ليتبرأوا من أنواع الشرك كلها، جليها وخفيها. حفظنا الله بما حفظهم به. آمين.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٨٩
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿لا تدركه الأبصار﴾ أي : لا تحيط به، ولا تناله بحقيقته، وعن ابن عباس :( لا تدركه في الدنيا، وهو يُرى في الآخرة)، ومذهب الأشعرية : أن
٢٩١
رؤية الله في الدنيا جائزة عقلاً، لأن موسى عليه السلام سألها، ولا يسأل موسى ما هو محال، وأحالته المعتزلة مُطلقًا، وتمسكوا بالآية، ولا دليل فيها ؛ لأنه ليس الإدراك مطلق الرؤية، ولا النفي في الآية عامًا في الأوقات، فلعله مخصوص ببعض الحالات، ولا في الأشخاص ؛ فإنه في قوة قولنا : لا كل بصر يدركه، مع أن النفي لا يوجب الامتناع. قاله البيضاوي.


الصفحة التالية
Icon