وقال في الإحياء : ولَمَّا كانت المعرفة على درجات متفاوتة كان التجلي على درجات متفاوتة، ثم ذكر حديث التجلي لأبي بكر المتقدم. ثم قال : فلا ينبغي أن يظن أن غير أبي بكر، ممن هو دونه، يجد من لذة النظر والمشاهدة ما يجده أبو بكر، بل لا يجده، إلا عُشرَ عُشرِه، إن كانت معرفته في الدنيا عشر عشره، ولما فَضَل الناسَ بسر وقر في صدره، فضل لا محالة بِتَجلًّ انفرد به.
وقال أيضًا : يتجلى الحق للعبد، تجليًا يكون انكشاف تجلَّيه، بالإضافة إلى ما علمه، كانكشاف تجلي المرئيات بالإضافة إلى ما تخيله ـ أي : إلى ما وصفه له الواصف. ثم قال : وهذه المشاهدة والتجلي هي التي تسمى رؤية، ثم قال : المعرفة الحاصلة في الدنيا هي التي تستكمل، فتبلغ كمال الكشف والوضوح وتنقلب مشاهدة، ولا يكون بين المشاهدة في الآخرة والمعلوم في الدنيا اختلاف، إلا من حيث زيادة الكشف والوضوح. وقال أيضًا : وبحر المعرفة لا ساحل له، والإحاطة بكنه جلاله مُحال، وكلما كثرت المعرفة وقويت ؛ كثر النعيم في الآخرة، وعظم، كما أنه كلما كثر البذر وحسن ؛ كثر الزرع وحسن، ولا يمكن تحصيل هذا البذر إلا في الدنيا، ولا يزرع إلا في صعيد القلب، ولا حصاد إلا في الآخرة. هـ.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٩١
قال شيخنا مولاي العربي رضي الله عنه : بل الرجال زرعوا اليوم وحصدوا اليوم، وفي تفسير الأقليشي لقوله :﴿اهْدِنَا الصِّرَاط المُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة : ٦] : ليس لهذه الهدايةـ ما دام العبد في الدنيا ـ نهاية، حتى إذا حصل في جوار الجبار، ونظر إلى وجهه
٢٩٢


الصفحة التالية
Icon