الإشارة : البصيرة كالبصر، أدنى شيء يقع فيها يَضُرُّ بناظرها، وهي على أقسام : منها ما تكون عمياء، والعياذ بالله، وهي التي فسد ناظرها بفساد الاعتقاد، كبصيرة الكفار ومن قاربهم، ومنها ما تكون مريضة فقط، لا تقاوم شعاع شمس التوحيد الخاص، وهي بصيرة أهل الغفلة، ومنها ما يخف مرضها فيكون لها شعاع، تدرك قرب نور الحق منها ؛ وهي بصيرة المتوجهين من العباد والزهاد ونهاية الصالحين.
ومنها ما تكون قريبة البُرء والصحة، قد انفتحت، لكنها حيرى ؛ لما فاجأها من النور، وهي بصيرة المريدين السائرين من أهل الفناء، ومنها ما تكون صحيحة قوية، قد تمكنت من شهود الأنوار، ورسخت في بحر الأسرار، وهي بصيرة العارفين المتمكنين في مقام البقاء، وقد أشار في الحِكَم إلى الثلاثة فقال :" شُعاعُ البصيرة يُشهدك قرب الحق
٢٩٣
منك، وعين البصيرة يشهدك عدمك لوجوده، وحق البصيرة يشهدك وجود الحق لا عدمك ولا وجودك، كان اللهُ ولا شيءَ معهُ، وهو الآنَ علَى ما عليه كان ".
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٩٣
قلت : تصريف الشيء : إجراؤه على أحوال متعاقبة وجهات مختلفة، ومنه : تصريف الرياح لهبوبه من جهات مختلفة، ولما كانت آيات القرآن تنزل على أنواع مختلفة في أوقات متعاقبة، شبهت بتصريف الرياح على أنحاء مختلفة، ﴿وليقولوا﴾ : متعلق بمحذوف، أي : وليقولوا : درست، صرفنا الآيات، واللام للعاقبة، وكذلك :﴿ولنبينه﴾ : المتعلق واحد.